د عبد الله محمد قسم السيد
مقدمة:
تعدد الحركات المسلحة في معظم أقاليم السودان الطرفية جعل الكثير من المواطنين ووفق رؤى العصبية القبلية يسعى للحصول على قطعة من السلاح وفق قدراته المادية ومكانته وسط قبيلته. ويتدرج نوع السلاح وفعاليته بنفس القدر لدى الحركات المسلحة ليعكس نفس التصور القبلي المرتبط بالتطلع الشخصي للزعامة والمهابة داخل القبيلة. غير أن الفرق في الحالتين يرتبط بتوفر فرص توفر الإمكانيات للخارج للإستحواذ على الدعم العسكري الآني الذي لابد أن تقابله إستحقاقات مستقبلية قد تشتمل على ما هو أكثر من ثمن تلك الأسلحة المادي. فالسودان بموقعه الجغرافي الإستراتيجي تاريخيا كان محط أنظار الطامعين إقليميا ودوليا وما حدث في الفترة الأخيرة وتحت نظام الإنقاذ وسياساته غير المدروسة والفطيرة إستراتيجيا أصبحت هناك أجزاء مقتطعة من كيانه الوطني حمرة عين كما هو في حالة حلايب ومناطق جنوبية شرقية متاخمة لأثيوبيا وأخرى تنظر إليها إرتريا ولسان قادتها يسيل لعابها للإستحواذ عليه. أما الجنوب فقد أصبح رسميا دولة أخرى قد تساهم في توسيع مجال أطماع الآخرين وتوسيع مجال المساومة في مطالب الحركات المسلحة القابلة لرفع سقفها لتتواكب بإستمرار مع رغبات ومصالح من يدعمها ماديا وعسكريا وإعلاميا. خاصة وقد أصبح جليا أن غرب السودان مسرحا للتدخلات ذات الصبغة الإقتصادية المرتبطة بالتوجهات الحضارية والمصالح الإقليمية في الشرق الأوسط. لهذا فإن إندلاع الثورة الذي أصبح حتميا في السودان والذي تعمل أجهزة الأمن بمختلف وسائلها المشتمل حتى لما هو ضد كل قيم الإسلام والشهامة السودانية، إن لم يعقل من هو قائم على أمر نظام الإنقاذ، فإنه لا محال سيؤدي إلى ما لا يحمد عقباه في السودان. ولما كانت الثورة أمر حتمي لفشل نظام الإنقاذ في كل الأصعدة إقتصاديا وتنمويا وبسبب إنتشار الفساد بأنواعه المختلفة المادي والأخلاقي وبسبب تقسيمه للبلاد، يكون من الواجب الوطني الملح التصدي الجاد من قبل قيادات الأحزاب للعمل مجتمعين على إقناع البشير وزمرته المقربة منه بأن يعقلوا ويتركوا أمر الحكم قبل وقوع الثورة التي مهما كان بطشهم من القسوة فلن يوقفها. ومن الواجب الملح أيضا على قيادات الإنقاذ القبول بذلك صيانة للسودان المتبقي ولشعبه فهو الباقي وهم ذاهبون حتى لو عمروا ألف سنة. إن ترك الوضع بدفن الرؤوس في الرمال من مآلات ما هو آتي وفي ضوء ما تقوم به بعض القنوات العربية وعلى رأسها قناة الجزيرة من إشعال فتنة عرقية بين المسلمين وفق سحناتهم وألوانهم وتقاطيع وجوههم فإن أي انفجار شعبي في السودان سيكون بيئة صالحة لمزيد من الإنقسام داخل السودان والانزلاق به في أتون حروب أهلية جديدة لا تبقي ولا تذر.
قناة الجزيرة والإسلام السياسي خارج الجزيرة العربية:
إن قناة الجزيرة على وجه الخصوص ومن خلال وهم دعم توجهات حركات الإسلام السياسي في دول مثل السودان وليبيا ومصر وتونس وغيرها خارج منظومة دول الخليج العربية، تقع في تناقض منهجي يفقدها مصداقيتها ويشكك في أهدافها. فبينما تدعم هذه القناة الثورات الشعبية في بعض الدول العربية مثل تونس ومصر وتصويرها على أنها تتم عبر حركات الإسلام السياسي وأنها القائمة بالثورة والسبب في نجاحها فإنها في دول أخرى لا تعير الثورات الشعبية فيها مجالا بل تعمل على تجاهلها ونعتها بألفاظ لا تخرج عن التمييز العنصري البغيض دعما للنظام القائم كما هو الحال في تعاملها مع نظام الإنقاذ. فقناة الجزيرة وتحت توجهات الإتحاد العالمي للمسلمين تجاهلت كلية ما حدث في دارفور وحتى عندما تعاملت معه كان ذلك يصب في مصلحة نظام الإنقاذ عكس تماما لما قامت به في حالة تونس ومصر وما تقوم به الآن في ليبيا. إن تركيز الجزيرة للحديث عن المرتزقة الذين يقاتلون كما تزعم دعما للقذافي يسهم كثيرا في زرع الفتنة بين الأفارقة السود والأفارقة الملونين ولا أقول البيض فليس هناك عربي أبيض وحتى إن وجد فهو من بقايا لجينات رومانية وشمال أوسطية. وبحكم وجود هؤلاء الأفارقة في ليبيا لفترات طويلة يكون معظمهم من المسلمين وحتى من لم يكن مسلما فإنه قد أصبح مشربا بالثقافة العربية الإسلامية. وتأخذ الحكومة السودانية في غباء سياسي وجهل دبلوماسي أفرزته سياسة مصطفى اسماعيل لوزارة الخارجية التي قذفت بكل جاهل بالعمل الدبلوماسي الى وزارة الخارجية كجزء من سياسات المحسوبية والترضيات، مصطلح المرتزقة هذا لتنفس به عن رغبة مكتومة في إبادة كل معارضيها من دارفور وغيرهم الذين قذفت بهم سياساتها إلى أرض ليبيا. واضح المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية لنظام الإنقاذ حين تقول بأن حركات المعارضة السودانية الموجودة في ليبيا هي التي تقوم بذلك وأنهم هم من يديرون آلة القتل والرعب فيها تأييدا للقذافي. والغريب في الأمر أن القذافي نفسه قام بإتهام الأجانب ولكنه ركزه على العرب وليس الأفارقة بإعتبارهم يقودون نار الثورة الشعبية ضده وكأن ليبيا في الحالتين للإتهام ليس فيها رجال وشباب يقودون الثورة أو يعملون على إخمادها. إن هذه التهم من الجانبين لا يوجد ما يسندها فالعمال المهاجرون من عرب وأفارقة جاءوا إلى ليبيا للعمل وكسب الرزق وهم بهذه الصفة ليس لهم معرفة بإدارة معارك مثل التي تبثها قنوات العربية أو الجزيرة أو غيرهما لا ماديا ولا عسكريا ولا إعلاميا. كما أنهم في حالة قيام الشعب الليبي بإحتلال وتحرير المدن كما هو حادث في المدن الشرقية لليبيا فإنهم كأجانب مدنيين لا يملكون القدرة العملية لإخمادها. لقد إتبعت قناة "الجزيرة في نقلها لأحداث ثورة ليبيا الشعبية إستراتيجية عنصرية ممنهجة ضد و تشويه متعمد للأفارقة لا تحمل أي تفسير غير أنها دعوة للعرب الليبيين إلى إبادة كل عنصر أسود من الموجودين على أراضي ليبيا. ولما كان هذا العنصر الأسود موجود بين الليبيين أنفسهم وفي نفس الوقت من المسلمين فإن قناة الجزيرة تناقض رسالتها المعلنة عن دعم الإسلاميين وحركات الإسلامي. وقناة الجزيرة لا تتبع هذا المنهج في إعلامها عندما يخص من تعمل على دعمه سياسيا على حساب شعبه مثل ما حدث في السودان. فقد قادت حملة الدفاع عن رئيس نظام الإنقاذ الذي استخدم مرتزقة بالفعل استجلبهم بإعتبارهم عربا من دول مجاورة واللذين قاموا مع جيش نظام الإنقاذ بارتكاب الكثير من الجرائم والتي أعتبرت جرائم ترتقي إلى جرائم إبادة وقامت بطلبه على هذا الأساس المحكمة الجنائية الدولية للمحاكمة بتهم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. هنا قامت قناة الجزيرة بتصوير بعض من مرتكبي تلك الجرائم وكأنهم أبطال مستهدفين من قبل دول الغرب الكافر مع العلم بأنهم قاموا بتشريد الملايين وقتل مئآت الآلاف من مسلمي دارفور.
Abdalla gasmelseed
6th of April 1985 in Sudan

سودانيات
سودانيات هو منبري لمناقشة ومعالجة قضايا السودان مع السودانيين ومن هو قادر على فهم اللغة العربية. وما أطرحه من رأى على هذا المنبر هو رأى أنا شخصيا لايمكن أن يحاسب عليه أحد آخر. أما مبادئ المنبر فإنها تقوم على حرية الرأى،إحترام الرأى الآخر، الموضوعية، تحرى الدقة وتقصى الحقائق.
الاثنين، 28 فبراير 2011
السبت، 26 فبراير 2011
الصادق المهدي والترابي وضياع فرص الثورة ضد نظام الإنقاذ

الصادق المهدي والترابي وضياع فرص الثورة ضد نظام الإنقاذ
د. عبد الله محمد قسم السيد السويد
إن واحدا من أهم الأسباب التي مكنت حركة الأخوان المسلمين من تعزيز مكانتها في المجال السياسي وزاد من انتشارها وسط الشعب تلك المكانة الخاصة التي وجدتها من قبل حزب الأمة حيث نشأت تحت رعايته واستفادت كثيرا من مصاهرة مرشدها العام حسن الترابي لابنة إمام الأنصار الصديق المهدي وحفيدة راعي حزب الأمة الإمام عبد الرحمن المهدي. الزواج في السودان وحتى وقت قريب لا ينظر إليه كعقد بين الرجل والمرأة وإنما هو علاقة شراكة تضم الأسرتين المباشرتين لهما وتمتد لتضم كل إفراد القبيلتين بهدف تحقيق أهداف مجتمعية أما تضامنا وتكتلا أو تهدئة لنزاع وحلا لخلاف. ويبدو أن قبول الطرفين لهذه المصاهرة كانت بهدف التضامن والتحالف والتكتل خاصة إن الترابي ينتمي إلى أسرة دينية معروفة وسط السودان هي أسرة حمد الترابي. يقول الصادق المهدي عن العلاقة بين حزبه وحركة الأخوان المسلمين دون الإشارة لهذه المصاهرة " بدا لي ان التحالف بيننا ( حزب الأمة ) كاتجاه إسلامي يستمد من دعوة الإمام المهدي ويستمتع بقاعدة شعبية عريضة، وبينهم (حركة الأخوان المسلمين) كاتجاه إسلامي حديث يحظى بوجود مهم في القطاع الاجتماعي الحديث، تحالف طبيعي يمكنه ان يقوم بدور دفاعي في حماية المجتمع من الهجمة الشيوعية وبدور إيجابي يقدم الإسلام نظاما حديثا وبديلا حضاريا بأسلوب شعبي ديمقراطي.[1] كان تعاون حزب الأمة مع حركة الأخوان المسلمين ( 49- 1964) او جبهة الميثاق الإسلامي ( 64-1985 ) والجبهة القومية الإسلامية ( 85- 1989م) خصما على حزب الأمة من جهة ويعكس في نفس الوقت مواقف حزب الأمة غير المدروسة والمفتقرة الى قراءة مستقبلية نقدية يستند عليها الحزب في علاقاته وتحالفاته معها في المستقبل وهو ما تؤكد مسيرة الحزب في تعامله مع نظامها العسكري الذي أطاح بحكومة الحزب بقيادة الصادق المهدي.
على العكس من هذا التصور الذي يحمله الصادق المهدي تجاه الحركة الإسلامية، فان الحركة الاسلامية بقيادة الترابي وضعت أهدافها وحددت غاياتها من تلك العلاقة وعملت على تحقيقها تباعا من خلال إستغلال حزب الأمة. فمثلا كان من أهداف الحركة الحد من النشاط الشيوعي والعمل على إغصائه من المسرح السياسي وقد حاولت استغلال الأنصار للوصول إلى هذا الهدف في الفترة التي تلت الاستقلال ولكنهم فشلوا عندما تصدي السيد عبد الرحمن لحملتهم ضد زعيم الحزب الشيوعي عبد الخالق محجوب ووصفها بأنها فتنة لا تستند على دليل. كما انهم أي الأخوان المسلمين، ليس من حقهم ان يهدروا دماء الناس[2]. لم ييأس الأخوان المسلمون للوصول الى هذا الهدف واستغلوا مرة أخرى الأنصار وحزب الأمة بعد ثورة أكتوبر ونجحوا في ذلك عندما تم طرد الحزب الشيوعي من البرلمان وفرض مشروع الدستور الإسلامي لتوافق عليه الجمعية التاسيسية رغم ان كل الأطراف السياسية أكدت وقتئذ على تحقيق السلام في السودان في ضوء تتعدد المجتمع من ناحية الأعراق والثقافات والديانات . يقول الصادق عن هذا التعاون لطرد نواب الحزب الشيوعي وفرض الدستور الإسلامي انهم وجبهة المثياق قاموا مشتركين بالتصدي الفعال لمحاولات السيطرة الشيوعية كما نجحوا معا في كتابة مشروع دستور البلاد يقوم على إسلامية التشريع[3]. أما الترابي فانه يوضح كيف انهم استطاعوا طرد الحزب الشيوعي عام 1966م من الجمعية التأسيسية وإجبار الأحزاب على قبول مسودة الدستور الإسلامي في عام 1967م دون الإشارة إلى دور حزب الأمة في هذه التعبئة الشعبية او موقفه من الدستور الإسلامي.[4]
وعلى الرغم من تأكيد الصادق على التعدد الموجود فى السودان منذ العقد السادس من القرن الماضى وأهميته لوحدة السودان الا أنه كثيرا ما يترك هذا الاعتقاد جانبا ويلجأ الى فرض الهوية العربية الاسلامية بالصورة التي ينادي بها الترابي حين استخدم حزب الأمة و الأنصار كحصان طروادة لتحقيق هدفه في طرد الحزب الشيوعي وفرض الدستور الإسلامي. لا يعني هذا إعفاء حزب الأمة من الجرم ولكن أحببت ان أوضح أن عدم قراءة الواقع وجعله كأساس لقراءة المستقبل والتنبوء به صفة لازمت حزب الأمة طيلة فترة علاقاته وتحالفاته مع الحركة بقيادة حسن الترابي بمسمياتها المختلفة. اندفاع الصادق المهدي خلف حسن الترابي لطرد الحزب الشيوعي او فرض الهوية العربية الإسلامية لم يكن قرارا نابعا من قواعد حزب الأمة كما انه كان مناقضاً للأفكار والاراء التي نادي بها الصادق نفسه في 1964م. ففي هذا العام اصدر الصادق المهدي كتابه " مسالة جنوب السودان " يطرح فيه رؤاه حول مشكلة جنوب السودان. يقول في ذلك الكتاب ان أسباب المشكلة أسباب دينية وثقافية واقتصادية وبالتالي لا يمكن حلها عسكريا بل سياسيا تشارك فيه كل القوي السياسية في الجنوب والشمال إذا كفلت الحريات.[5] غير انه بعد وصوله الى السلطة في 1966م وتحت ضغط جبهة الميثاق أشار الصادق المهدي محذرا من وجود مؤامرة من شرق أفريقيا لفرض الهوية الأفريقية على السودان ( مؤكدا..) ان السمة السائدة لأمتنا سمة إسلامية وتعبيرها الغالب هو العربية وكرامتنا لا تحفظ الا تحت ظل صحوة إسلامية.[6] بهذا فان الصادق في هذا التحذير من المؤامرة قد نسي حديثه عن تعددية السودان الثقافية، والدينية والعرقية في الوقت الذي كانت تقترب فيه القوي السياسية بما فيها حزب الأمة من الوصول لحل يرضي الأطراف الجنوبية عبر محاورات السلام التي عرفت بالمائدة المستديرة ومؤتمر الأحزاب في العقد السادس من القرن الماضي.
هذا الواقع الذي يؤكد إستغلال الترابي للصادق المهدي لم يقف حتى بعد أن قام الترابي بإنقلابه العسكري على حكومة يقودها الصادق حين إتبع الترابي منهجا دقيقا لإبعاد أي نفوذ للصادق المهدي حتى بين أنصاره خاصة في دارفور[7] فقد كان الترابي يخطط ويدبر في كيفية إبعاد الصادق المهدي حتى بعد الإنقلاب. يقول المحبوب عبد السلام مثلا ودون ذكر أسماء وهو كما يفهم من صياغة الحديث، يقصد على عثمان ناشب الترابي ونافع على نافع وعوض الجاز وبعض من يناصرونهم داخل المؤتمر الوطني عن الإنفلات داخل الحركة الإسلامية والذي كاد أن يصل مرحلة الإعدام للصادق المهدي والذي لا يعتبره المحبوب جزءا من إستراتيجية الحركة الإسلامية. هذا الإنفلات كما يقول المحبوب ضرب بالكامل "البرنامج الاسلامي لِمَا يسميه بثورة الانقاذ لذلك كان الرأي لدى بعض قيادات الحركة الإسلامية بعد خروج الترابي من السجن أن يتولى الشيخ حسن الترابي شخصياً مقاليد السلطة التنفيذية حتى يستقيم الأمر من جديد.[8]ولكن الصراع داخل الحركة الإسلامية يبدو أنه قد تخطى الأسلوب المتعارف عليه في العرف السوداني من تسامح خاصة في وجود أجهزة الأمن الضاربة القوية التي أصبحت مصلحتها الدنيوية مرتبط بوجود هذا النظام البوليس الحاد التطرف والعنف مما دفع بالترابي للإبتعاد والإنزواء خاصة بعد حادثة تهديد الصادق المهدي. يقول في ذلك الأفندي "لقد اختار الترابي طائعا الانزواء وعدم المشاركة في مثل هذه المؤسسات من برلمان ووزارة كمقابل لاصلاح آخر ضروري، وهو حجب زعماء الطائفية ورموزها ايضا".[9]بهذا الحديث يؤكد الأفندي والذي كان جزءا فاعلا في نظام الإنقاذ ومقربا من الترابي أن الأخير يعمل بتخطيط إستراتيجي لإبعاد قيادات الأنصار ولكن دون اللجوء إلى أسلوب التعذيب والإهانة.
إن أكبر جريمة إرتكبتها الحركة الإسلامية أو حقيقة المتعلمون السودانيون المنتمون إليها، هو السعي لإنفصال جنوب السودان لتحقيق هدفها في جعل السودان دولة إسلامية عربية ليس فقط بفرضها للهوية العربية الإسلامية وإنما بتوقيع إتفاق مع فصيل سياسي جنوبي وهي في نهايات عامها الثاني. سبق هذا الإتفاق صراع دموي داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان قادته مجموعة في عام 1991م عرفت بمجموعة الناصر هدف للإطاحة بزعيم الحركة الشعبية جون قرنق الوحدوي التوجه. فانتهزت حكومة الإنقاذ هذا الصراع وعملت على تصعيده وسط الجنوبيين بهدف كسب المعركة ميدانيا من خلال طرح إستقلال الجنوب ودعمهم ضد قرنق الذي يطالب بوحدة السودان على أسس جديدة تراعي التعدد السائد بين مختلف مجموعاته.[10] ففي يناير عام 1992م وافق نظام الإنقاذ على حق تقرير المصير لجنوب السودان فيما عرف بإتفاقية فرانكفورت كأول إتفاق ينص رسمياً على تقرير المصير منذ إستقلال البلاد. وبهذا تكون الحركة الإسلامية بدأت تنفيذ خططها الرامية إلى إقامة دولة دينية إسلامية حتى لو كان ثمنها تفتيت وحدة السودان على الرغم من أن الإسلام كدين لا يمنع وجود أكثر من ديانة في البلد الواحد. فدولة المدينة التي يرجع إليها دائما نظام الإنقاذ كان اليهود والمسيحيون مواطنون فيها يتمتعون كالمسلمين بنفس القيم من عدل وحرية وتسامح. كان الهدف لهذا الإتفاق محاربة الحركة الشعبية بقيادة قرنق الداعي لسودان يقوم على المواطنة وإحترام قيم الآخر وثقافته. يقول المحبوب عبد السلام أن هذا الاتفاق نص على إلتزام مجموعة الناصر بالتعاون التام مع الحكومة مقابل قبول الحكومة بمبدأ الانفصال التام لجنوب السودان عن شماله و قيام دولة مستقلة في الجنوب.[11] والهدف من هذا هو قيام دولة الأمة الإسلامية على حساب وحدة السودان خاصة عندما بدأت التدخل في دول الجوار لفرض التوجهات الإسلامية في أثيوبيا وإرتريا ومحاولة إغتيال حسني مبارك. هذا التصور لقيام دولة الأمة الإسلامية يضع الحركة الإسلامية ونظام الإنقاذ في تناقض فكري كبير. فبينما ترفض هذه الحركة ونظامها العسكري التعدد الثقافي والإثني في السودان والذي على أثره رفضت إتفاقيتي كوكادام والسلام إبان فترة الديموقراطية بقيادة الصادق المهدي ثم أعلنت بموجبه الجهاد في الجنوب بعد إنقلابها العسكري فهي تقبل التعدد الموجود على مستوى العالم الإسلامي رغم تبايناته المختلفة لغويا وثقافيا وعرقيا.
كان رد الفعل لأحزاب الشمال لهذا التوجه نحو تقسيم السودان بدلا عن محاربة الإنقاذ بكفاءة وبكل الوسائل عسكريا وشعبيا، التباري في إرضاء الحركة الشعبية والتي رفض زعيمها فكرة إنفصال الجنوب وحارب كل من نادى بها من الجنوبيين. ولا أريد هنا أن أعيد على القارئ الكريم ما كان يقوم به قادة التجمع من إنبطاح وذل تارة بإسم الشيوعية وأخرى نكاية في حزب الأمة، للحركة الشعبية والذي وثقناه في كتابنا عن "الإنقاذ تأكل أباها" ولكن سأقصر حديثي عن الصادق المهدي بإعتبار أنه حزب نذر المنتمون إليه أنفسهم لوحدته وإستقلاله. في هذا العام والذي وقعت فيه الحكومة إتفاقية تقود إلى تقسيم السودان أعلن الصادق المهدي مشروعه لمعارضة إنقلاب الترابي، المسمى بالجهاد المدني واستمر فيه إلى أن تحقق قيام دولة الجنوب من ناحية وتم حرق دارفور عضده الأول في أي وضع ديموقراطي من ناحية ثانية. وبهذا يكون الصادق المهدي رغم حكمته وتجربته السياسية وفكره المتقدم والمنفتح على الآخر، قد ساهم بصورة مباشرة في تقسيم السودان بسبب تهاونه مع الإنقلابيين من أول يوم إنقلبوا عليه مرورا بتهاونه في إستخدام قوته الشعبية القابلة لتتحول إلى قوة عسكرية ضاربة متى ما أشار إليها بذلك. ثم بلجوئه إلى الإتفاق مع نظام الإنقاذ مرتين تفصلهما 10 أعوام دون أن يلتزم المؤتمر بما يتفق عليه. واستمر في هذا النهج حتى وهو يعلن من نفسه إن لم تتوقف الإنقاذ عن الإستمرار في مسيرتها الخطأ. إن الشعبية التي يتمتع بها الصادق المهدي والمستعدة لبذل روحها في سبيل وحدة السودان، كانت تتوقع منه موقفا غير هذا عندما يتعلق الوضع بوحدة السودان يظهر ذلك في موقفها معه عام 1976م وموقفها بالتعبئة بعد إعلانه ليوم 26 يناير كيوم فاصل لما تقوم به الإنقاذ. لقد وضح لنا من خلال ما أوردناه أن ما سمي خطأ بإتفاقية السلام الشامل في نيفاشا كان نتيجة مباشرة لصفقة بين نظام الإنقاذ والدول الغربية خاصة أمريكا والنرويج وبرزت من خلال هذه الصفقة مأساة دارفور والتي كما أكدنا أنها ثمرة خبيثة لسياسة نظام الإنقاذ في تنازله المستمر للغرب بهدف إحتفاظه وإستمراره في السلطة. لقد أشار غازي صلاح الدين للغباء الذي وقعت فيه زمرة نظامه الفاسد وهو يحرص على البقاء في الحكم وعزاه إلى الجيش حين يصف الجيش السوداني ب"الجيش الخسيس" ويواصل نقده للجيش بقوله "بأنه في سنتين عمل في دارفور ما عجز عنه في الجنوب 50 عاما:تحويل الصراع إلى حرب أهلية "[12]. بهذه الغفلة وتلك الروح الدموية التي تميز نظام الإنقاذ في قتل المواطنين السودانيين وتحت سياسة الخداع التي تقودها الإدارة الأمريكية والتي تعمل على إستمرار حزب المؤتمر الوطني في الحكم خلال الفترة الانتقالية وحتى بعد إجراء الإنتخابات المزورة باعتبار أن هذه الاتفاقية لن تكون ملزمة بتفاصيلها المجحفة في حق الشمال والجنوب على السواء، لأي من الأطراف الشمالية والجنوبية المستبعدة منها، إنفصل الجنوب تحت بصر السودانيين. لقد كان تأثير منظمات المجتمع المدني الغربي المرتبط باللوبي الصهيوني تأثير كبير في دفع الإدارة الأمريكية لإستخدام دارفور للضغط من أجل استفتاء يقود إلى انفصال جنوب السودان. لذلك كان واضحا إن لم يستعجل السودانيون في الإطاحة بنظام الإنقاذ فإن السياسة الأمريكية تجاه السودان ستسير نحو العمل على تقرير مصير لدارفور على قرار ما حدث في الجنوب.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - الصادق المهدي الوفاق والفراق بين الأمة " والجبهة " في السودان ( 58-1995). الناشر دار الإعلام الخارجي ، حزب الأمة . آفاق جديدة 6
[2] - للمزيد انظر محمد سليمان مصدر سابق.
[3] - الصادق المهدي الوفاق والفراق مرجع سابق ص 5-6.
[4] - حسن الترابي الحركة الإسلامية في السودان. التطور الكسب. المنهج . معهد البحوث والدراسات الاجتماعية دار هايل 1410هـ ص 30 وص 145.
[5] - الصادق المهدي مسالة جنوب السودان 1964م ذكره الصادق في الوفاق والظرف مرجع سابق.
[6] - منصور خالد جنوب السودان في المخيلة العربية. الصورة الرائفة والقمع التاريخي دار تراث 2000م ص 370.
[7] أنطر حامد البشير في دراسته عن الجنجويد
[8] المحبوب عبد السلام الحركة الإسلامية السودانية دائرة الضو خيوط الظلام تأملات في العشرية الأولى لحكم ثورة الإنقاذ
[9] الثورة والاصلاح السياسي في السودان 1995م نقلا عن المحبوب 2009 المرجع السابق ص 232
[10] Bona Malwal, Sudan’s political and economic future: a southern åerspective pp. 92-93. In Charles Gurdon 2003, The Horn of Africa, the SOAS/GRC Geopolitics Series, 3, 2003
[11] المحبوب عبد السلام تأملاته في العشرية الأولى للإنقاذ 2010 ص 235 و236
[12] Richard Cockett Sudan: Darfur and the Failure of an African State, Yale University Press, New Haven and London, 2010, pp.180- 184
Abdalla gasmelseed
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)