6th of April 1985 in Sudan

6th of April 1985 in Sudan

سودانيات

سودانيات هو منبري لمناقشة ومعالجة قضايا السودان مع السودانيين ومن هو قادر على فهم اللغة العربية. وما أطرحه من رأى على هذا المنبر هو رأى أنا شخصيا لايمكن أن يحاسب عليه أحد آخر. أما مبادئ المنبر فإنها تقوم على حرية الرأى،إحترام الرأى الآخر، الموضوعية، تحرى الدقة وتقصى الحقائق.

الاثنين، 7 مارس 2011

متين كان فى قانون فى عهد الكيزان والانقاذ؟؟

يا نزار خالد بس كدى قول لي: متين كان فى قانون فى عهد الكيزان والانقاذ؟؟ البلد لو كان فيها قانون ما كان بكون فيها الفساد المنتشر ده. لكن للانقاذ وسدنتها نهاية...

أعلن تحالف الأحزاب السياسية السودانية المعارضة المنضوية تحت لواء “قوى الإجماع الوطني أو تحالف جوبا” أنه يرتب لتنظيم سلسلة تظاهرات سلمية يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين بميدان المدرسة الأهلية بأم درمان وميدان أبوجنزير بقلب الخرطوم، “احتفالاً بيوم المرأة العالمي وتأييدا للثورات الشعبية التي انطلقت بالدول العربية”، مشيراً إلى أنه “لن يتراجع عن تحقيق آمال الشعب السوداني في الحرية والديمقراطية”.

وفي المقابل، تحدى حزب المؤتمر الوطني الحكم بزعامة رئيس البلاد عمر البشير، الحركة الشعبية وأحزاب المعارضة بالخروج للشارع غداً ووصف مخططها بـ”الفاشل”، معتبراً أنه “سيكون محل سخرية من الشعب السوداني، وهو سيتصدى بنفسه للتظاهرات التخريبية، قبل السلطات الأمنية”.

وأكد تحالف المعارضة الشمالية و”الحركة الشعبية لتحرير السودان” تمسكهما بإقامة ندوة جماهيرية اليوم بدار الحركة بحي المقرن “غربي الخرطوم”، وأهابت بجماهير الشعب السوداني للمشاركة فيها، واعتبرت “ما أُثير من مكايدات حول ندوة الاثنين جزءًا من مخطط لاستهداف الندوة”، وسارعت بتحميل المؤتمر الوطني مسؤولية أي انفلات أمني أو ضياع للأرواح بالندوة. وأعلن القيادي في قوى جوبا، صديق يوسف أن الندوة “ستكشف ملابسات تزوير انتخابات جنوب كردفان إلى جانب تظاهرة سلمية الثلاثاء 8 مارس بميدان المدرسة الأهلية لمناصرة المرأة في يومها العالمي، إلى جانب تظاهرة أخرى يوم الأربعاء 9 مارس بميدان أبوجنزير (قلب الخرطوم) تأييداً للثورات الشعبية في تونس ومصر”.

وفي السياق ذاته، اعتبر نائب الأمين العام للحركة الشعبية ياسر عرمان أن “ندوة الاثنين قائمة مهما يكن والباب مفتوح أمام المؤتمر الوطني للمشاركة فيها”. ومن جانبه، قال الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي المعارض كمال عمر نفسه إن السودان يعاني فراغاً دستورياً لغياب نواب الحركة الشعبية بالبرلمان، محملاً المؤتمر الوطني مسؤولية أي انفلات أمني أو ضياع للأرواح في الندوة التي دعت إليها قوى المعارضة اليوم الاثنين.

ومن الطرف الآخر، حذر المسؤول السياسي للمؤتمر الوطني بولاية الخرطوم، الدكتور نزار خالد محجوب، من أن “أي خطوة يجب أن تكون وفق القانون، ولن نسمح لأحد بتجاوزه”، وأضاف “بعض القوى المعارضة رأت أن التوقيت مناسب للخروج للشارع.. فليحلموا كما يريدون فإن غدا لناظرة قريب”، وأضاف “إذا خرجوا للشارع فسيكون خروجهم محل سخرية من الشعب السوداني؛ لأن كل تجاربهم في هذا الاتجاه كانت فاشلة.. الشعب سيتصدى لهم قبل السلطات الأمنية”، مشيراً إلى أن التظاهرات التي حدثت أخيراً بشارع الستين بالخرطوم حاول حزب المؤتمر الشعبي والحزب الشيوعي استغلالها سياسياً، لكن المواطنين تصدوا لهما. وأكد محجوب أن حزبه له “ارتباط وثيق بالجماهير وهو قريب منها والانتخابات أثبتت ذلك”.
واتهم المسؤول السياسي في الحزب الحاكم مريم الصادق المهدي “ابنة رئيس الحزب التي تنشط في تنظيم هذه التظاهرات”، بأنها “تغرد خارج السرب وتنجرف وراء الحزب الشيوعي”. وقال إن قرب “مريم من قيادات الحزب الشيوعي جعلها تنجرف بشكل مريب وراء هم وتغرد خارج السرب”، مؤكداً أن توجهها يخالف منهج حزب الأمه القومي”.


جريدة الاتحاد

الاثنين، 28 فبراير 2011

خذي وزارة الخارجية السودانية وتناقضات قناة الجزيرة

د عبد الله محمد قسم السيد

مقدمة:

تعدد الحركات المسلحة في معظم أقاليم السودان الطرفية جعل الكثير من المواطنين ووفق رؤى العصبية القبلية يسعى للحصول على قطعة من السلاح وفق قدراته المادية ومكانته وسط قبيلته. ويتدرج نوع السلاح وفعاليته بنفس القدر لدى الحركات المسلحة ليعكس نفس التصور القبلي المرتبط بالتطلع الشخصي للزعامة والمهابة داخل القبيلة. غير أن الفرق في الحالتين يرتبط بتوفر فرص توفر الإمكانيات للخارج للإستحواذ على الدعم العسكري الآني الذي لابد أن تقابله إستحقاقات مستقبلية قد تشتمل على ما هو أكثر من ثمن تلك الأسلحة المادي. فالسودان بموقعه الجغرافي الإستراتيجي تاريخيا كان محط أنظار الطامعين إقليميا ودوليا وما حدث في الفترة الأخيرة وتحت نظام الإنقاذ وسياساته غير المدروسة والفطيرة إستراتيجيا أصبحت هناك أجزاء مقتطعة من كيانه الوطني حمرة عين كما هو في حالة حلايب ومناطق جنوبية شرقية متاخمة لأثيوبيا وأخرى تنظر إليها إرتريا ولسان قادتها يسيل لعابها للإستحواذ عليه. أما الجنوب فقد أصبح رسميا دولة أخرى قد تساهم في توسيع مجال أطماع الآخرين وتوسيع مجال المساومة في مطالب الحركات المسلحة القابلة لرفع سقفها لتتواكب بإستمرار مع رغبات ومصالح من يدعمها ماديا وعسكريا وإعلاميا. خاصة وقد أصبح جليا أن غرب السودان مسرحا للتدخلات ذات الصبغة الإقتصادية المرتبطة بالتوجهات الحضارية والمصالح الإقليمية في الشرق الأوسط. لهذا فإن إندلاع الثورة الذي أصبح حتميا في السودان والذي تعمل أجهزة الأمن بمختلف وسائلها المشتمل حتى لما هو ضد كل قيم الإسلام والشهامة السودانية، إن لم يعقل من هو قائم على أمر نظام الإنقاذ، فإنه لا محال سيؤدي إلى ما لا يحمد عقباه في السودان. ولما كانت الثورة أمر حتمي لفشل نظام الإنقاذ في كل الأصعدة إقتصاديا وتنمويا وبسبب إنتشار الفساد بأنواعه المختلفة المادي والأخلاقي وبسبب تقسيمه للبلاد، يكون من الواجب الوطني الملح التصدي الجاد من قبل قيادات الأحزاب للعمل مجتمعين على إقناع البشير وزمرته المقربة منه بأن يعقلوا ويتركوا أمر الحكم قبل وقوع الثورة التي مهما كان بطشهم من القسوة فلن يوقفها. ومن الواجب الملح أيضا على قيادات الإنقاذ القبول بذلك صيانة للسودان المتبقي ولشعبه فهو الباقي وهم ذاهبون حتى لو عمروا ألف سنة. إن ترك الوضع بدفن الرؤوس في الرمال من مآلات ما هو آتي وفي ضوء ما تقوم به بعض القنوات العربية وعلى رأسها قناة الجزيرة من إشعال فتنة عرقية بين المسلمين وفق سحناتهم وألوانهم وتقاطيع وجوههم فإن أي انفجار شعبي في السودان سيكون بيئة صالحة لمزيد من الإنقسام داخل السودان والانزلاق به في أتون حروب أهلية جديدة لا تبقي ولا تذر.

قناة الجزيرة والإسلام السياسي خارج الجزيرة العربية:

إن قناة الجزيرة على وجه الخصوص ومن خلال وهم دعم توجهات حركات الإسلام السياسي في دول مثل السودان وليبيا ومصر وتونس وغيرها خارج منظومة دول الخليج العربية، تقع في تناقض منهجي يفقدها مصداقيتها ويشكك في أهدافها. فبينما تدعم هذه القناة الثورات الشعبية في بعض الدول العربية مثل تونس ومصر وتصويرها على أنها تتم عبر حركات الإسلام السياسي وأنها القائمة بالثورة والسبب في نجاحها فإنها في دول أخرى لا تعير الثورات الشعبية فيها مجالا بل تعمل على تجاهلها ونعتها بألفاظ لا تخرج عن التمييز العنصري البغيض دعما للنظام القائم كما هو الحال في تعاملها مع نظام الإنقاذ. فقناة الجزيرة وتحت توجهات الإتحاد العالمي للمسلمين تجاهلت كلية ما حدث في دارفور وحتى عندما تعاملت معه كان ذلك يصب في مصلحة نظام الإنقاذ عكس تماما لما قامت به في حالة تونس ومصر وما تقوم به الآن في ليبيا. إن تركيز الجزيرة للحديث عن المرتزقة الذين يقاتلون كما تزعم دعما للقذافي يسهم كثيرا في زرع الفتنة بين الأفارقة السود والأفارقة الملونين ولا أقول البيض فليس هناك عربي أبيض وحتى إن وجد فهو من بقايا لجينات رومانية وشمال أوسطية. وبحكم وجود هؤلاء الأفارقة في ليبيا لفترات طويلة يكون معظمهم من المسلمين وحتى من لم يكن مسلما فإنه قد أصبح مشربا بالثقافة العربية الإسلامية. وتأخذ الحكومة السودانية في غباء سياسي وجهل دبلوماسي أفرزته سياسة مصطفى اسماعيل لوزارة الخارجية التي قذفت بكل جاهل بالعمل الدبلوماسي الى وزارة الخارجية كجزء من سياسات المحسوبية والترضيات، مصطلح المرتزقة هذا لتنفس به عن رغبة مكتومة في إبادة كل معارضيها من دارفور وغيرهم الذين قذفت بهم سياساتها إلى أرض ليبيا. واضح المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية لنظام الإنقاذ حين تقول بأن حركات المعارضة السودانية الموجودة في ليبيا هي التي تقوم بذلك وأنهم هم من يديرون آلة القتل والرعب فيها تأييدا للقذافي. والغريب في الأمر أن القذافي نفسه قام بإتهام الأجانب ولكنه ركزه على العرب وليس الأفارقة بإعتبارهم يقودون نار الثورة الشعبية ضده وكأن ليبيا في الحالتين للإتهام ليس فيها رجال وشباب يقودون الثورة أو يعملون على إخمادها. إن هذه التهم من الجانبين لا يوجد ما يسندها فالعمال المهاجرون من عرب وأفارقة جاءوا إلى ليبيا للعمل وكسب الرزق وهم بهذه الصفة ليس لهم معرفة بإدارة معارك مثل التي تبثها قنوات العربية أو الجزيرة أو غيرهما لا ماديا ولا عسكريا ولا إعلاميا. كما أنهم في حالة قيام الشعب الليبي بإحتلال وتحرير المدن كما هو حادث في المدن الشرقية لليبيا فإنهم كأجانب مدنيين لا يملكون القدرة العملية لإخمادها. لقد إتبعت قناة "الجزيرة في نقلها لأحداث ثورة ليبيا الشعبية إستراتيجية عنصرية ممنهجة ضد و تشويه متعمد للأفارقة لا تحمل أي تفسير غير أنها دعوة للعرب الليبيين إلى إبادة كل عنصر أسود من الموجودين على أراضي ليبيا. ولما كان هذا العنصر الأسود موجود بين الليبيين أنفسهم وفي نفس الوقت من المسلمين فإن قناة الجزيرة تناقض رسالتها المعلنة عن دعم الإسلاميين وحركات الإسلامي. وقناة الجزيرة لا تتبع هذا المنهج في إعلامها عندما يخص من تعمل على دعمه سياسيا على حساب شعبه مثل ما حدث في السودان. فقد قادت حملة الدفاع عن رئيس نظام الإنقاذ الذي استخدم مرتزقة بالفعل استجلبهم بإعتبارهم عربا من دول مجاورة واللذين قاموا مع جيش نظام الإنقاذ بارتكاب الكثير من الجرائم والتي أعتبرت جرائم ترتقي إلى جرائم إبادة وقامت بطلبه على هذا الأساس المحكمة الجنائية الدولية للمحاكمة بتهم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. هنا قامت قناة الجزيرة بتصوير بعض من مرتكبي تلك الجرائم وكأنهم أبطال مستهدفين من قبل دول الغرب الكافر مع العلم بأنهم قاموا بتشريد الملايين وقتل مئآت الآلاف من مسلمي دارفور.


Abdalla gasmelseed

السبت، 26 فبراير 2011

الصادق المهدي والترابي وضياع فرص الثورة ضد نظام الإنقاذ





الصادق المهدي والترابي وضياع فرص الثورة ضد نظام الإنقاذ

د. عبد الله محمد قسم السيد السويد



إن واحدا من أهم الأسباب التي مكنت حركة الأخوان المسلمين من تعزيز مكانتها في المجال السياسي وزاد من انتشارها وسط الشعب تلك المكانة الخاصة التي وجدتها من قبل حزب الأمة حيث نشأت تحت رعايته واستفادت كثيرا من مصاهرة مرشدها العام حسن الترابي لابنة إمام الأنصار الصديق المهدي وحفيدة راعي حزب الأمة الإمام عبد الرحمن المهدي. الزواج في السودان وحتى وقت قريب لا ينظر إليه كعقد بين الرجل والمرأة وإنما هو علاقة شراكة تضم الأسرتين المباشرتين لهما وتمتد لتضم كل إفراد القبيلتين بهدف تحقيق أهداف مجتمعية أما تضامنا وتكتلا أو تهدئة لنزاع وحلا لخلاف. ويبدو أن قبول الطرفين لهذه المصاهرة كانت بهدف التضامن والتحالف والتكتل خاصة إن الترابي ينتمي إلى أسرة دينية معروفة وسط السودان هي أسرة حمد الترابي. يقول الصادق المهدي عن العلاقة بين حزبه وحركة الأخوان المسلمين دون الإشارة لهذه المصاهرة " بدا لي ان التحالف بيننا ( حزب الأمة ) كاتجاه إسلامي يستمد من دعوة الإمام المهدي ويستمتع بقاعدة شعبية عريضة، وبينهم (حركة الأخوان المسلمين) كاتجاه إسلامي حديث يحظى بوجود مهم في القطاع الاجتماعي الحديث، تحالف طبيعي يمكنه ان يقوم بدور دفاعي في حماية المجتمع من الهجمة الشيوعية وبدور إيجابي يقدم الإسلام نظاما حديثا وبديلا حضاريا بأسلوب شعبي ديمقراطي.[1] كان تعاون حزب الأمة مع حركة الأخوان المسلمين ( 49- 1964) او جبهة الميثاق الإسلامي ( 64-1985 ) والجبهة القومية الإسلامية ( 85- 1989م) خصما على حزب الأمة من جهة ويعكس في نفس الوقت مواقف حزب الأمة غير المدروسة والمفتقرة الى قراءة مستقبلية نقدية يستند عليها الحزب في علاقاته وتحالفاته معها في المستقبل وهو ما تؤكد مسيرة الحزب في تعامله مع نظامها العسكري الذي أطاح بحكومة الحزب بقيادة الصادق المهدي.

على العكس من هذا التصور الذي يحمله الصادق المهدي تجاه الحركة الإسلامية، فان الحركة الاسلامية بقيادة الترابي وضعت أهدافها وحددت غاياتها من تلك العلاقة وعملت على تحقيقها تباعا من خلال إستغلال حزب الأمة. فمثلا كان من أهداف الحركة الحد من النشاط الشيوعي والعمل على إغصائه من المسرح السياسي وقد حاولت استغلال الأنصار للوصول إلى هذا الهدف في الفترة التي تلت الاستقلال ولكنهم فشلوا عندما تصدي السيد عبد الرحمن لحملتهم ضد زعيم الحزب الشيوعي عبد الخالق محجوب ووصفها بأنها فتنة لا تستند على دليل. كما انهم أي الأخوان المسلمين، ليس من حقهم ان يهدروا دماء الناس[2]. لم ييأس الأخوان المسلمون للوصول الى هذا الهدف واستغلوا مرة أخرى الأنصار وحزب الأمة بعد ثورة أكتوبر ونجحوا في ذلك عندما تم طرد الحزب الشيوعي من البرلمان وفرض مشروع الدستور الإسلامي لتوافق عليه الجمعية التاسيسية رغم ان كل الأطراف السياسية أكدت وقتئذ على تحقيق السلام في السودان في ضوء تتعدد المجتمع من ناحية الأعراق والثقافات والديانات . يقول الصادق عن هذا التعاون لطرد نواب الحزب الشيوعي وفرض الدستور الإسلامي انهم وجبهة المثياق قاموا مشتركين بالتصدي الفعال لمحاولات السيطرة الشيوعية كما نجحوا معا في كتابة مشروع دستور البلاد يقوم على إسلامية التشريع[3]. أما الترابي فانه يوضح كيف انهم استطاعوا طرد الحزب الشيوعي عام 1966م من الجمعية التأسيسية وإجبار الأحزاب على قبول مسودة الدستور الإسلامي في عام 1967م دون الإشارة إلى دور حزب الأمة في هذه التعبئة الشعبية او موقفه من الدستور الإسلامي.[4]

وعلى الرغم من تأكيد الصادق على التعدد الموجود فى السودان منذ العقد السادس من القرن الماضى وأهميته لوحدة السودان الا أنه كثيرا ما يترك هذا الاعتقاد جانبا ويلجأ الى فرض الهوية العربية الاسلامية بالصورة التي ينادي بها الترابي حين استخدم حزب الأمة و الأنصار كحصان طروادة لتحقيق هدفه في طرد الحزب الشيوعي وفرض الدستور الإسلامي. لا يعني هذا إعفاء حزب الأمة من الجرم ولكن أحببت ان أوضح أن عدم قراءة الواقع وجعله كأساس لقراءة المستقبل والتنبوء به صفة لازمت حزب الأمة طيلة فترة علاقاته وتحالفاته مع الحركة بقيادة حسن الترابي بمسمياتها المختلفة. اندفاع الصادق المهدي خلف حسن الترابي لطرد الحزب الشيوعي او فرض الهوية العربية الإسلامية لم يكن قرارا نابعا من قواعد حزب الأمة كما انه كان مناقضاً للأفكار والاراء التي نادي بها الصادق نفسه في 1964م. ففي هذا العام اصدر الصادق المهدي كتابه " مسالة جنوب السودان " يطرح فيه رؤاه حول مشكلة جنوب السودان. يقول في ذلك الكتاب ان أسباب المشكلة أسباب دينية وثقافية واقتصادية وبالتالي لا يمكن حلها عسكريا بل سياسيا تشارك فيه كل القوي السياسية في الجنوب والشمال إذا كفلت الحريات.[5] غير انه بعد وصوله الى السلطة في 1966م وتحت ضغط جبهة الميثاق أشار الصادق المهدي محذرا من وجود مؤامرة من شرق أفريقيا لفرض الهوية الأفريقية على السودان ( مؤكدا..) ان السمة السائدة لأمتنا سمة إسلامية وتعبيرها الغالب هو العربية وكرامتنا لا تحفظ الا تحت ظل صحوة إسلامية.[6] بهذا فان الصادق في هذا التحذير من المؤامرة قد نسي حديثه عن تعددية السودان الثقافية، والدينية والعرقية في الوقت الذي كانت تقترب فيه القوي السياسية بما فيها حزب الأمة من الوصول لحل يرضي الأطراف الجنوبية عبر محاورات السلام التي عرفت بالمائدة المستديرة ومؤتمر الأحزاب في العقد السادس من القرن الماضي.

هذا الواقع الذي يؤكد إستغلال الترابي للصادق المهدي لم يقف حتى بعد أن قام الترابي بإنقلابه العسكري على حكومة يقودها الصادق حين إتبع الترابي منهجا دقيقا لإبعاد أي نفوذ للصادق المهدي حتى بين أنصاره خاصة في دارفور[7] فقد كان الترابي يخطط ويدبر في كيفية إبعاد الصادق المهدي حتى بعد الإنقلاب. يقول المحبوب عبد السلام مثلا ودون ذكر أسماء وهو كما يفهم من صياغة الحديث، يقصد على عثمان ناشب الترابي ونافع على نافع وعوض الجاز وبعض من يناصرونهم داخل المؤتمر الوطني عن الإنفلات داخل الحركة الإسلامية والذي كاد أن يصل مرحلة الإعدام للصادق المهدي والذي لا يعتبره المحبوب جزءا من إستراتيجية الحركة الإسلامية. هذا الإنفلات كما يقول المحبوب ضرب بالكامل "البرنامج الاسلامي لِمَا يسميه بثورة الانقاذ لذلك كان الرأي لدى بعض قيادات الحركة الإسلامية بعد خروج الترابي من السجن أن يتولى الشيخ حسن الترابي شخصياً مقاليد السلطة التنفيذية حتى يستقيم الأمر من جديد.[8]ولكن الصراع داخل الحركة الإسلامية يبدو أنه قد تخطى الأسلوب المتعارف عليه في العرف السوداني من تسامح خاصة في وجود أجهزة الأمن الضاربة القوية التي أصبحت مصلحتها الدنيوية مرتبط بوجود هذا النظام البوليس الحاد التطرف والعنف مما دفع بالترابي للإبتعاد والإنزواء خاصة بعد حادثة تهديد الصادق المهدي. يقول في ذلك الأفندي "لقد اختار الترابي طائعا الانزواء وعدم المشاركة في مثل هذه المؤسسات من برلمان ووزارة كمقابل لاصلاح آخر ضروري، وهو حجب زعماء الطائفية ورموزها ايضا".[9]بهذا الحديث يؤكد الأفندي والذي كان جزءا فاعلا في نظام الإنقاذ ومقربا من الترابي أن الأخير يعمل بتخطيط إستراتيجي لإبعاد قيادات الأنصار ولكن دون اللجوء إلى أسلوب التعذيب والإهانة.

إن أكبر جريمة إرتكبتها الحركة الإسلامية أو حقيقة المتعلمون السودانيون المنتمون إليها، هو السعي لإنفصال جنوب السودان لتحقيق هدفها في جعل السودان دولة إسلامية عربية ليس فقط بفرضها للهوية العربية الإسلامية وإنما بتوقيع إتفاق مع فصيل سياسي جنوبي وهي في نهايات عامها الثاني. سبق هذا الإتفاق صراع دموي داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان قادته مجموعة في عام 1991م عرفت بمجموعة الناصر هدف للإطاحة بزعيم الحركة الشعبية جون قرنق الوحدوي التوجه. فانتهزت حكومة الإنقاذ هذا الصراع وعملت على تصعيده وسط الجنوبيين بهدف كسب المعركة ميدانيا من خلال طرح إستقلال الجنوب ودعمهم ضد قرنق الذي يطالب بوحدة السودان على أسس جديدة تراعي التعدد السائد بين مختلف مجموعاته.[10] ففي يناير عام 1992م وافق نظام الإنقاذ على حق تقرير المصير لجنوب السودان فيما عرف بإتفاقية فرانكفورت كأول إتفاق ينص رسمياً على تقرير المصير منذ إستقلال البلاد. وبهذا تكون الحركة الإسلامية بدأت تنفيذ خططها الرامية إلى إقامة دولة دينية إسلامية حتى لو كان ثمنها تفتيت وحدة السودان على الرغم من أن الإسلام كدين لا يمنع وجود أكثر من ديانة في البلد الواحد. فدولة المدينة التي يرجع إليها دائما نظام الإنقاذ كان اليهود والمسيحيون مواطنون فيها يتمتعون كالمسلمين بنفس القيم من عدل وحرية وتسامح. كان الهدف لهذا الإتفاق محاربة الحركة الشعبية بقيادة قرنق الداعي لسودان يقوم على المواطنة وإحترام قيم الآخر وثقافته. يقول المحبوب عبد السلام أن هذا الاتفاق نص على إلتزام مجموعة الناصر بالتعاون التام مع الحكومة مقابل قبول الحكومة بمبدأ الانفصال التام لجنوب السودان عن شماله و قيام دولة مستقلة في الجنوب.[11] والهدف من هذا هو قيام دولة الأمة الإسلامية على حساب وحدة السودان خاصة عندما بدأت التدخل في دول الجوار لفرض التوجهات الإسلامية في أثيوبيا وإرتريا ومحاولة إغتيال حسني مبارك. هذا التصور لقيام دولة الأمة الإسلامية يضع الحركة الإسلامية ونظام الإنقاذ في تناقض فكري كبير. فبينما ترفض هذه الحركة ونظامها العسكري التعدد الثقافي والإثني في السودان والذي على أثره رفضت إتفاقيتي كوكادام والسلام إبان فترة الديموقراطية بقيادة الصادق المهدي ثم أعلنت بموجبه الجهاد في الجنوب بعد إنقلابها العسكري فهي تقبل التعدد الموجود على مستوى العالم الإسلامي رغم تبايناته المختلفة لغويا وثقافيا وعرقيا.

كان رد الفعل لأحزاب الشمال لهذا التوجه نحو تقسيم السودان بدلا عن محاربة الإنقاذ بكفاءة وبكل الوسائل عسكريا وشعبيا، التباري في إرضاء الحركة الشعبية والتي رفض زعيمها فكرة إنفصال الجنوب وحارب كل من نادى بها من الجنوبيين. ولا أريد هنا أن أعيد على القارئ الكريم ما كان يقوم به قادة التجمع من إنبطاح وذل تارة بإسم الشيوعية وأخرى نكاية في حزب الأمة، للحركة الشعبية والذي وثقناه في كتابنا عن "الإنقاذ تأكل أباها" ولكن سأقصر حديثي عن الصادق المهدي بإعتبار أنه حزب نذر المنتمون إليه أنفسهم لوحدته وإستقلاله. في هذا العام والذي وقعت فيه الحكومة إتفاقية تقود إلى تقسيم السودان أعلن الصادق المهدي مشروعه لمعارضة إنقلاب الترابي، المسمى بالجهاد المدني واستمر فيه إلى أن تحقق قيام دولة الجنوب من ناحية وتم حرق دارفور عضده الأول في أي وضع ديموقراطي من ناحية ثانية. وبهذا يكون الصادق المهدي رغم حكمته وتجربته السياسية وفكره المتقدم والمنفتح على الآخر، قد ساهم بصورة مباشرة في تقسيم السودان بسبب تهاونه مع الإنقلابيين من أول يوم إنقلبوا عليه مرورا بتهاونه في إستخدام قوته الشعبية القابلة لتتحول إلى قوة عسكرية ضاربة متى ما أشار إليها بذلك. ثم بلجوئه إلى الإتفاق مع نظام الإنقاذ مرتين تفصلهما 10 أعوام دون أن يلتزم المؤتمر بما يتفق عليه. واستمر في هذا النهج حتى وهو يعلن من نفسه إن لم تتوقف الإنقاذ عن الإستمرار في مسيرتها الخطأ. إن الشعبية التي يتمتع بها الصادق المهدي والمستعدة لبذل روحها في سبيل وحدة السودان، كانت تتوقع منه موقفا غير هذا عندما يتعلق الوضع بوحدة السودان يظهر ذلك في موقفها معه عام 1976م وموقفها بالتعبئة بعد إعلانه ليوم 26 يناير كيوم فاصل لما تقوم به الإنقاذ. لقد وضح لنا من خلال ما أوردناه أن ما سمي خطأ بإتفاقية السلام الشامل في نيفاشا كان نتيجة مباشرة لصفقة بين نظام الإنقاذ والدول الغربية خاصة أمريكا والنرويج وبرزت من خلال هذه الصفقة مأساة دارفور والتي كما أكدنا أنها ثمرة خبيثة لسياسة نظام الإنقاذ في تنازله المستمر للغرب بهدف إحتفاظه وإستمراره في السلطة. لقد أشار غازي صلاح الدين للغباء الذي وقعت فيه زمرة نظامه الفاسد وهو يحرص على البقاء في الحكم وعزاه إلى الجيش حين يصف الجيش السوداني ب"الجيش الخسيس" ويواصل نقده للجيش بقوله "بأنه في سنتين عمل في دارفور ما عجز عنه في الجنوب 50 عاما:تحويل الصراع إلى حرب أهلية "[12]. بهذه الغفلة وتلك الروح الدموية التي تميز نظام الإنقاذ في قتل المواطنين السودانيين وتحت سياسة الخداع التي تقودها الإدارة الأمريكية والتي تعمل على إستمرار حزب المؤتمر الوطني في الحكم خلال الفترة الانتقالية وحتى بعد إجراء الإنتخابات المزورة باعتبار أن هذه الاتفاقية لن تكون ملزمة بتفاصيلها المجحفة في حق الشمال والجنوب على السواء، لأي من الأطراف الشمالية والجنوبية المستبعدة منها، إنفصل الجنوب تحت بصر السودانيين. لقد كان تأثير منظمات المجتمع المدني الغربي المرتبط باللوبي الصهيوني تأثير كبير في دفع الإدارة الأمريكية لإستخدام دارفور للضغط من أجل استفتاء يقود إلى انفصال جنوب السودان. لذلك كان واضحا إن لم يستعجل السودانيون في الإطاحة بنظام الإنقاذ فإن السياسة الأمريكية تجاه السودان ستسير نحو العمل على تقرير مصير لدارفور على قرار ما حدث في الجنوب.






--------------------------------------------------------------------------------

[1] - الصادق المهدي الوفاق والفراق بين الأمة " والجبهة " في السودان ( 58-1995). الناشر دار الإعلام الخارجي ، حزب الأمة . آفاق جديدة 6

[2] - للمزيد انظر محمد سليمان مصدر سابق.

[3] - الصادق المهدي الوفاق والفراق مرجع سابق ص 5-6.

[4] - حسن الترابي الحركة الإسلامية في السودان. التطور الكسب. المنهج . معهد البحوث والدراسات الاجتماعية دار هايل 1410هـ ص 30 وص 145.

[5] - الصادق المهدي مسالة جنوب السودان 1964م ذكره الصادق في الوفاق والظرف مرجع سابق.

[6] - منصور خالد جنوب السودان في المخيلة العربية. الصورة الرائفة والقمع التاريخي دار تراث 2000م ص 370.

[7] أنطر حامد البشير في دراسته عن الجنجويد

[8] المحبوب عبد السلام الحركة الإسلامية السودانية دائرة الضو خيوط الظلام تأملات في العشرية الأولى لحكم ثورة الإنقاذ



[9] الثورة والاصلاح السياسي في السودان 1995م نقلا عن المحبوب 2009 المرجع السابق ص 232

[10] Bona Malwal, Sudan’s political and economic future: a southern åerspective pp. 92-93. In Charles Gurdon 2003, The Horn of Africa, the SOAS/GRC Geopolitics Series, 3, 2003



[11] المحبوب عبد السلام تأملاته في العشرية الأولى للإنقاذ 2010 ص 235 و236

[12] Richard Cockett Sudan: Darfur and the Failure of an African State, Yale University Press, New Haven and London, 2010, pp.180- 184





Abdalla gasmelseed

الأربعاء، 19 يناير 2011

الفساد والإنهيار تتبعه الثورة في عرف الشعب السوداني

الفساد والإنهيار تتبعه الثورة في عرف الشعب السوداني

د. عبد الله محمد قسم السيد السويد



تتكشف يوما بعد الآخر ورطة حكم الإنقاذ في الإستمرار في تقسيم السودان جغرافيا بعد أن قاموا بتمزيق نسيجه الإجتماعي ونشر الفساد بمختلف أنواعه وفي كل أقاليمه وبعد بيع مؤسساته في قطاعاته المختلفة في الزراعة والتعليم والصحة وغيرها من المرافق الخدمية. فخارجيا وكما لم يعد خافيا أن نظام الإنقاذ سوف يستمر في تنازلاته التي وصلت حد الخيانة في الحفاظ على الوطن حين أصبح الهدف هو كيفية إنقاذ البشير من المحكمة الجنائية الذي لن يحدث أبدا، ولم يعد مهما لديها وحدة السودان والحفاظ على أطرافه التي إحتلتها الدول المجاورة ولا وقف الحرب في دارفور. أما داخليا فإن عصبة الإنقاذ تعمل من خلال أجهزة أمنها المتعددة للحيلولة دون خروج أي معارض للشارع بوسائل عديدة تدربوا عليها من قبل منظمات إرهابية إسلامية وفروا لها إستقرارا مكانيا منذ قدومهم غير الميمون قبل 21 عاما. وأجهزة أمن الإنقاذ للمحافظة على مكتسباتهم المختلفة لا يمنعهم وازع ديني أو أخلاقي أو إجتماعي كما وضح في محاولة حزب الأمة في يوم الجمعة التي كان حصيلتها محاولات قتل لإبنة زعيم الحزب الصادق المهدي مريم وآخرين. لذا فعلى الشعب السوداني توقع الأسوأ وهو يسعى للإطاحة بنظام الإنقاذ.



فإذا رجعنا للوراء 21 عاما للبحث عن إجابة فيما يحدث اليوم في الشارع السوداني من عدم مبالاة فيما تقوم به عصبة الإنقاذ، نجد أنه قد تم بتخطيط واع ومدروس تحسبا لمثل هذه الأيام. لقد تم التخطيط والتنفيذ كما أصبح معروفا اليوم من قبل مجموعة صغيرة ترأسها بداية الترابي ثم سرعان ما انتقلت كنوع من الخداع إلى عثمان محمد طه الذي عمل على تمكين الإنقاذ بمختلف الوسائل لينضم إليها شذاذ الأفاق ومصاصي الدماء من الذين اعتادوا على الجرائم وأكل المال الحرام ليحرسوا الطامعين في السلطة والجاه. وهو ما قاله كشاهد المحبوب عبد السلام من داخل الحركة الإسلامية في كتابه الذي منعت السلطات توزيعه بالسودان رغم انه متوفر على النت. ثم بعد خروج الترابي من سجنه الذي اختاره بنفسه لمزيد من التخفي تكشفت له الحقيقة ثم بعدها أراد إصلاحا وكما أراد لنا أن نعرف المحبوب أو كما قاله الترابي مرارا، لم يكن ذلك ممكنا بعد أن تشبع أتباعه بجاه السلطة وإغراءآتها وسطوتها. فقد كانت قوة أتباعه من الدرجة التي مكنتهم من طرده منها والزج به في السجن فرجع وتاب وندم أيما ندم على تنفيذه الإنقلاب ليس لأنه افتقد السلطة فقط وإنما شعوره بأنه قام بتدمير كل ما بناه بهدف تأسيس كيان إسلامي يطمح من خلاله إعادة بناء مجد للإسلام في أرض السودان. بالطبع معارضته اليوم لن تنجيه كما حدث بعد بعد إنتفاضة أبريل، من الجرم الذي ارتكبه في حق السودان وشعبه من تشريد لأهله وتمزيق لنسيجه الإجتماعي ثم تمزيقه جغرافيا.



واصل علي عثمان محمد طه وهو في مخبئه وسط الخرطوم يدير الدولة البوليسية التي تقودها الحركة الإسلامية فقام مع نافع الأستاذ الجامعي بتعزيز قوة جهاز الأمن الذي أصبح له عدة أسماء ليعدم من يشاء ويعذب من يشاء بأسلوب لم يشهده السودانيون من قبل. السؤآل الذي طرحه الأديب الطيب صالح رحمة الله عليه" من أين أتى هؤلاء" نجد الإجابة عليه في كتاب المحبوب عبد السلام عندما تحدث عن فتح المجال السوداني لكل الحركات والمنظمات الإسلامية المتطرفة لتأتي إلى السودان لتجد لها أماكن للتدريب ومكان آمن تتحرك منه بسهولة بعد أن منح المنتمون إليها جوازات سفر دبلوماسية شودانية فشهدنا في السودان ولأول مرة في تاريخه القديم والحديث أن يدخل أحد المسجد وهو يحمل سلاحا ناريا يحصد به أرواح المصلين وهم سجدا لله رب العالمين أو أن يقتل إنسان ذبحا أو أن يطلق الرصاص على عربة لقتل من فيها. هذه الأفعال التي شهدها المجتمع السوداني ولآول مرة في تاريخه كله هو ما تمارسه هذه المنظمات المتطرفة في كل بقاع العالم بإسم الإسلام، تؤكد على أن التدريب الذي وفرته عصبة الإنقاذ لهذه المنظمات قد كان شاملا أجهزة أمنها مما سيكون له تداعيات كبيرة في هذه الأيام العصيبة التي تبشر بقرب الخلاص مما يعني أن الثمن لهذا الخلاص سيكون عظيما. فقيادات أجهزة الأمن اليوم إرتبطت مصالحها ليس فقط بوجود النظام وإنما ترتبط إرتباطا وثيقا لما تخطط له قوى خارجية تسعى للمزيد من تفكيك السودان بعد أن ضمنت إنفصال الجنوب وليس لهم، أي لتلك القوى من هو أفضل من القيام بذلك غير عصبة الإنقاذ وقائدها الذي يسعى لتنفيذ كل ما يؤمر به إذا ما كان مقابل ذلك إبعاد شبح المحاكمة الدولية. فهاهو جوني كارسون مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية يوقل بوضوح أنهم يتعاونون مع البشير بهدف الوصول إلى إستفتاء الجنوب وهو بالطبع يقصد إنفصال الجنوب، كما يؤكد في نفس الوقت بأن ما يتعلق بالمحكمة الجنائية فهو أمر لابد منه "فعلى البشير أن يرد على إتهامات المحكمة". مما يعني بوضوح كامل أنه كرت رابح لأمريكا تستخدمه للإبتزاز مثله مثل شطب إسم السودان من قائمة الإرهاب الذي هو قرار يتعلق بالكونقرس وليس أي فرد آخر حتى لو كان الرئيس.



لذا فإن حلم نظام الإنقاذ فيما يتعلق بالمحكمة الجنائية وشطب "إسمهم" من قائمة الإرهاب أو اللإعفاء من الديون هي قضايا تستخدمها أمريكا فقط لإبتذاذ نظام الإنقاذ حتى ينفذ كل طلباتهم القادمة بعد أن ضمنوا فصل الجنوب. بهذا فإن الشعب السوداني في "معركته" التي بدأت تظهر معالمها، مع نظام الإنقاذ وأجهزة أمنه، لن ينحصر فيه وحده ولكن سيجد بجانب ذلك التبرير لما تفعله عصبة الإنقاذ من قبل قيادات أمريكية في هذا الوقت بالذات كما جاء في تبريرات كارتر عن الإنتخابات أو إشاداته المختلفة للبشير بشجاعته وصدقه والوفاء بوعده. وسيستمر هذا المدح وذلك الثناء حتى التنفيذ المخطط لدارفور وحتى يوليو 2011 موعد إعلان دولة الجنوب ليظهر بعدها الوجه الحقيقي لأمريكا. لقد إختلفت الكثير من المفاهيم في عهد هذه عصبة الإنقاذ فلا أدري كيف يكون الإنسان شجاعا وهو يقوم بتقسيم بلده ولا أدري ولم أسمع ولم أقرأ عن رجل أشاد به الآخرون وهو يفي بوعد يعرف بأنه يقضي بتمزيق بلده وهو في قيادتها!!!! وفي نفس الوقت الذي يفي فيه هذا الرئيس المغصوب بالوفاء يعمل عكس ذلك في كل ما عاهد عليه الآخرون من السودانين. ألم يعد بأنه سينفذ ما اتفق عليه مع الشريف ذين العابدين الهندي رحمة الله عليه؟ ألم يعد الصادق المهدي في نداء الوطن ثم في إتفاق التراضي؟ ألم يعد مناوي في إتفاقه في أبوجا؟ ألم يعد كل الأطراف السودانية فيما عرف بإتفاقية التعاهد الوطني؟ بل حول هذه الإتفاقية نفسها التي تصر عليها أمريكا وحلفائها لماذا لم يف بتنفيذ بنودها الأخرى المتعلقة بالتحول الديموقراطي وإقامة إنتخابات حرة نزيهة؟ لماذا لم يف بكل هذه الإنفاقيات؟ إن الإشادة التي تأتي من أمريكا ليست صادقة وسرعان ما تزول وتستبدل بعكسها تماما. إن ما يريده الغرب من وفاء البشير هو مساعدته في تقسيم السودان وقد إستجاب البشير ومن حوله فئة صغيرة تخشى من العاقبة المتوقعة لما بعد الإطاحة بهم. لقد حاولت كثيرا أن استوعب ما يقوله الكثير ممن تتوفر لهم فرص مخاطبة الشعب السوداني عبر التلفزيون من قولهم بوفاء البشير وإشادتهم له وهو يمزق بلاده فأشعر بأسى وألم. ألم يقرأ هؤلاء التاريخ العالمي والسوداني فيما يتعلق بعمل رئيس الدولة في الحفاظ على بلده الذي يدعي حكمه؟ ألم يقرأ البشير نفسه تاريخ بلاده ليعرف ماذا عمل خليفة الإمام المهدي وأنصاره وهم يزودون عن يلادهم لكي لا يروها وهي يدنسها الغزاة الباغين بأرجلهم الغذرة وأجسامهم النجسة!!!؟؟ألم يقرأ ماذا قال تشرشل الجندي الباغي في وصف الأنصار حين قال بأنه لم ير ولم يسمع بأشجع منهم!!؟؟ ولكن ليس ذلك بغريب إذا أمعنا النظر في الممارسات غير المسبوغة في السوء والفساد التي طبقتها عصبة الإنقاذ.



فنظام الإنقاذ وهو يمارس ممارساته غير المسبوقة في العرف السوداني يعكس العقلية الإجرامية المنظمة والمستبدة لقادته حين قام علي عثمان محمد طه كما يخبرنا المحبوب في سفره الذي يفضح فيه ممارسات عصبة الإنقاذ بتغيير كل الذي خطط له مع الترابي وهما يتجهان لتنفيذ الإنقلاب. فقد قام علي عثمان مع عوض الجاز بطرد العاملين في الخدمة المدنية وإستبدالهم بذوي الولاء الأعمى والفاقدين المعرفة والخبرة في كل أمر إلا السعي وراء المال وملذات الدنيا والذين وجدوا غطاء دينيا يبرر لهم ما يقومون به ليس على مستوى أفراد بل على مستوى تنظيم كثيرا ما ادعى الصلاح والورع وتدعمه منظمات إسلامية عديدة داخل وخارج السودان. كان الناتج من هذا الفعل تشريد عشرات الألاف من ذوي الخبرة والعلم الذين وجدوا أمامهم أسرا لابد من توفير لقمة العيش لها فكان لابد من خروجهم من السودان رغما عنهم لدول عربية وغير عربية وإلا تشرد أبناؤهم وتفككت أسرهم. هذه الجريمة إعترفت بها بعض قيادات الحركة الإسلامية وهي جريمة كما قالت إحدى المنتميات لها توجب قطع رقاب من فعلها. وقام علي عثمان مع وزير ماليته عبد الرحيم حمدي بخصخصة كل مشاريع القطاع العام وبيعها لذوي الولاء من السودان والمتعاونين معهم من خارجه ليكمل ما بدأه عوض الجاز في تشريد العاملين في الزراعة والصناعة ليلحقوا أهل الخدمة المدنية في الدول الأخرى حتى يقوموا بواجباتهم نحو أسرهم وأهلهم ومن لم يستطع منهم الهجرة الإجبارية، إبتلعته المدينة ليصبح عاطلا يجوب الشوارع مادا يد لم تمتد من قبل إلا لله العزيز المقتدر. ولم يكتف الوزير الهمام وعلي عثمان بفعلتهم تلك بل عملا على تمكين المصارف التابعة لهم من كل أرصدة مودعة في المصارف بعد تجميد الحسابات فيها ثم الإعلان عن تبديل العملة وخصم 2% من كل رصيد لأجرآت التبديل وحجز 20% من كل رصيد يزيد عن 100 ألف جنيه سوداني. هذا التمكين تم من خلال التوسع في التمويل التجاري قصير الأجل بدلا عن الاستثمار طويل ومتوسط الأجل في الزراعة والصناعة وتجاوز السقوف التمويلية لينتشر بذلك الفساد المالي في المصارف والمؤسسات المالية الذي يتحدث عنه المراجع العام في كل تقاريره السنوية.



وتواصل الضغط المصحوب بكل أنواع التعذيب على كل الشعب السوداني لتكون نتائجه إنتشار المجاعة في ربوع السودان وإنتشار الفساد بكل أنواعه وإقصاء السودانيين بمختلف أحزابهم بهدف إستمرار نظام الإنقاذ في السلطة شمل حتى زعيمهم ومرشدهم الترابي فأقصي عن الحكم دون أن يشفع له تدبيره وتخطيطه الذي أتى بهم إلى السلطة. وبعد إنقلابه على زعيمه وولي نعمته بعد الله قام علي عثمان مدفوحا بالطموح السياسي دون بوصلة تهديه فتخبط كثيرا وانبطح أيما انبطاح في وجه من كان يدعي بأنه أعد العدة لها بدنو عذابها وفنائها على يديه. فكان إنبطاحه توسل لها أمام المجتمع الدولي وإعترافا منه بأنه قد نفذ بكل جد واجتهاد كل ما كان يطلب منه من قبل المخابرات الأمريكية. فخطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي حث فيه أمريكا معاونتها على الوفاء بإلتزام نظامه على تحقيق الأهداف التي وقع عليها والتي هدفت كما يحدث الآن إلى تفتيت السودان وتمزقه حين يقول "وإننا نُرحب بقلبٍ وعقلٍ مفتوحين بكافة الجهود التي يمكن أن تُبذل لمعاونتنا على الوفاء بإلتزاماتنا وتحقيق تلك الأهداف السامية". مقابل ذلك يطلب من أمريكا إعفاء ديون السودان التي لا يعرف شعب السودان أين ذهبت، كما يطلب منها إلغاء إجراءآت المحكمة الجنائية ضد البشير ويؤكد لها وللمجتمع الدولي بأنه سيواصل وفاءه بالعهد لتنفيذ تلك الأهداف السامية. فما هي هذه الأهداف السامية التي عمل نظام الإنقاذ على تحقيقها والوصول إليها؟. أليست هي تمكين الجهوية والقبلية وزيادة التنافر وتعميق الاحتقان بين أبناء السودان حتى داخل كل أسرة بجانب تشويه سمعة السودان وإنسانه. أليست هي بيع وخصخصة كل مشاريع ومؤسسات الدولة وبيعها للدول الخارجية في شكل إستثمارات على حساب المواطن السوداني البسيط. ألم يبع مشروع الجزيرة إلى مصر تحت ضغط مصري بسبب محاولته إغتيال رئيسها؟ أليست هي تدويل كل قضايا السودان والطلب لكل من هب ودب في التدخل في شئونه ومنع السودانيين أنفسهم من العمل على إيجاد مخرج وقد تم كل ذلك تحت الضغط الغربي خاصة امريكا وحلفائها في المنطقة. ألم تكن من ضمن تلك الأهداف السامية الخدمات الجليلة التي قدمتها المخابرات السودانية سجون سرية للمخابرات الأمريكية والتعاون في مكافحة الإرهاب وتقديم كافة المعلومات عن المسلمين المشكوك فيهم من قبل المخابرات الأمريكية والذين كان معظمهم في السودان.



لقد كان واضحا لكل مراقب سياسي أن أمريكا من خلال مؤسساتها البحثية المرتبطة بالضرورة بمخابراتها لا تعمل لمصلحة السودان وشعبه وهذا من المعلوم بالضرورة لهذا جاءت كل بنود إتفاق نيفاشا الأساسية تحمل ضمنيا فصل الجنوب لينشئ دولة. يقول في ذلك قطبي المهدي "إن الحكومة تعرف جيداً أن كثيرا مما اتفق عليه في نيفاشا, قد تم الإعداد له في مركز الدراسات الإستراتيجية في واشنطن. وأن هناك أشخاص من هذا المركز تمّ تعيينهم من قِبل هذه الدوائر كخبراء في الإيقاد, قاموا بكل هذا العمل الذي تم. وأن الحكومة قبلت بذلك بناءً علي سياسة الأمر الواقع لأن هناك ضغوطاً لا قِبل لها بها, ولا قدرة لها علي مواجهة هذه القوة الدولية المتربصة بها." (الصحافة 26\2\2005). ومع هذا الوضوح فإن نظام الإنقاذ بعد الترابي سار في الطريق المرسوم له من قبل المخابرات الأمريكية التي تدور في فلك الصهيونية العالمية لهذا لا يكون أبدا غريبا على كل مبعوثي أمريكا ورئيسها الأسبق كارتر أن يقولوا ما قالوا عن شجاعة البشير ونظامه وعن الوفاء بالعهد. مواقف كهذه مليئة بالخيانة لن تتوفر لأمريكا من غير هذا النظام بالتالي فلن تفرط أمريكا فيه إلا بعد أن ينفذ لها ما تبقى من مصالح في دارفور ومن مصالح تتعلق بالإرهاب والذي تقصد به المنظمات الإسلامية التي كانت قياداتها تجعل من السودان مركزا للإنطلاق بعد رجوعها من أفغانستان بعد دحرهم للغزو السوفيتي. لكل ذلك فإن مواقف السودانيين التي عرفوا بها في العالم في الإطاحة بأنظمة فاسدة شمولية عسكرية ستواجه هذه المرة بمشاكل عديدة حتى تستطيع الإطاحة بنظام الإنقاذ. فالشعب السوداني هذه المرة يواجه نظاما عسكريا ليس وحده في الساحة بل تدعمه خفية كل قوى البغي والطغيان إقليميا ودوليا لأنه أصبح ودون تستر يحمي مصالحها الإستراتيجية الدولية والتي أصبح قطافها قريبا. ومع هذه الصعوبات فإن الأمل في أن يحقق الشعب السوداني هدفه كبيرا فإرادة الشعوب هي الغالبة في نهاية الأمر وتونس اليوم تقف مثالا حيا في مواجهة الشعب للطغاة مهما كانت قوة أجهزتهم الأمنية وداعميها من الخارج.

السبت، 15 يناير 2011

العشاء الأخير ... قبل الإنفصال

حزمت أمتعتى قبل يومين من إنتهاء العام الماضى وتوجهت صوب الخرطوم. ليس هرباً من الثلوج وشتاء السويد القارس بل لمتابعة ومراقبة "إنفصال" الجنوب عن الشمال. فقد حانت لحظات الفراق التأريخى بين أشقاء تربطهم وشائج كثيرة وفضلت أن أتابع هذا الفراق عن كثب. كان أول ماشد إنتباهى وأنا فى طريقى لمنزل شقيقى الذى يسكن فى شمال أمدرمان، تجمع لأسر من جنوب السودان فى ميدان يقع جنوب شارع الحارة الواحد وعشرين المتفرع من شارع الوادى. عند زيارتى لهذا المعسكر صباح اليوم التالى أخبرنى أهله أن هذا المعسكر يقع ضمن برنامج العودة الطوعية والذى تنظمه بعض الوزارات الحكومية بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة. وأن هذا المعسكر بالذات مخصص للعودة إلى واراب فى ولاية الوحدة فى بحر الغزال. كانت هناك أسئلة تحتاج الى إجابة: لماذا يُرحل هؤلاء الناس فى هذا الوقت بالذات؟ لماذا لم يُرحلوا بعد توقيع الإتفاقية وقبل بدء عملية الأستفتاء؟ وأى دعم يُقدم لهم لتاسيس حياة جديدة؟
تصادف أن إحدى زميلاتى فى العمل تعمل كمراقبة للإستفتاء فى واراب ضمن الفريق التابع للإتحاد الأوروبى. سألتها عن أوضاع العائدين من الشمال فأرلست لى تقريرا مدعوما بالصور عن سؤ أحوال العائدين والمعسكرات التى خُصصت لهم. كانت هناك وعود كاذبة ومضللة للعائدين تتحدث عن أموال وأراضى تُسلم للعائد عند وصوله مباشرة. وأنهم سوف يتمكنوا من الإدلاء بصوتهم فى مدينة واراب على الرغم من أنهم سجلوا أسمائهم فى مدن العاصمة المثلثة. وتحدثت التقارير عن تكدس العائدين فى ميناء كوستى النهرى ولم يُسمح لهم بالتصويت حسب قانون الإستفتاء وهو ما سعت وخططت له الحركة الشعبية لإبعاد جنوبى الشمال عن صناديق الإقتراع خوفا من التصويت للوحدة.

لم يهتم الشماليون فى مدن وسط السودان بمتابعة الإستفتاء وكأن الأمرلايعنيهم من بعيد أو قريب. بل ولم يهتموا حتى بقرار زيادة أسعار الوقود والمواد الغذائية التى فرضتها الحكومة قبل يومين من بداية الإستفتاء. فلم يكن الإستفتاء والإنفصال المرتقب حديث الناس فى الأندية أو المواصلات أو المكاتب الحكومية. وكل شخص من الشماليين سألتُه عن رأيه فى هذا الموضوع كان يعبر عن إرتياحه للإنفصال. وكأن سكوت الشماليين هوما قلل من إقبال الجنوبيين على صناديق الإقتراع فى الشمال. ولو سمحت الحكومة فى الشمال للشماليين بالخروج للشارع للتعبير عن رأيهم لخرجت مسيرة مليونية تأيدا للإنفصال. أما الذين حارت بهم السبل فهم الجنوبيون فى الشمال. فكل من سألته كان حزينا لايدرى ما مصيره ولا يدرى إلا إين يذهب. فقد إرتبطت حياته ومعاشه بالشمال. تعبير فرحة الإنفصال كان واضحا فى صحيفة الإنتباهة التى إرتفع إصدارها إلى 96000 ألف نسخة فى اليوم لتكون الصحيفة الأولى بفارق قدره 30000 ألف نسخة عن الصحيفة التى يليها. فقد نحر قادتُها والذين يمثلون منبر السلام العادل الذبائح إبتهاجا ببداية الإستفتاء والذى سوف يفضى إلى إنفصال الجنوب عن الشمال. لم تهتم الإذاعة السودانية كثيرا بالإستفتاء أيضا. الحق يقال أن للإذاعة مراسلين فى كافة الولايات فى الجنوب والشمال يتابعون عملية الإستفتاء ولكن غابت البرامج واللقاءت التحليلية لعملية الإستفتاء وكأن إنفصال السودان ليس حدثا تأريخيا مهما.
أما الأحزاب السياسية والمعارضة السودانية فقد فضلت أيضا السكوت والصمت سوى محاولة يائسة من بعض الشباب قامت بالتظاهر أمام منزل الزعيم الأزهرى وفرقتهم الشرطة بسرعة فائقة. فالمعارضة التى خدعتها الحركة الشعبية بإعلان الإنفصال ودمرها المؤتمر الوطنى على مدى عقدين هما عُمر الإنقاذ فى السلطة لم يكن لديها ما تقوله سوي الصمت الرهيب وتحميل الحركة والمؤتمر الوطنى مسؤلية إنفصال وتفتيت السودان.
وبإنتهاء إسبوع الإقتراع لم تبقى سوى إعلان نتيجة الإنفصال ليبكى من ساند الوحدة ويفرح من ساند الإنفصال من الشماليين والجنوبيين على حدا سواء. ولكن يبقى السؤال المهم: ثم ماذا بعد الإنفصال؟ هل سوف يسود العدل والمساواة فى جنوب السودان أم تطغى قبائل معينة وتفرض سلطتها على القبائل الجنوبية الأخري؟ هل تسطيع الحركة الشعبية توفير الغذاء والدواء فى الجنوب بعد أن كان الشمال هو المصدر الريئسى للذرة ودواء الملاريا؟ أم سوف تقوم الحركة بالإعتماد على الكينيين واليوغنديين للعمل فى المتشفيات والجامعات والأسواق والمدارس؟ ماذا وعدت الحركة الجنوبيين بعد الإنفصال؟ وماذا تملك من موارد بشرية لتنمية المواطن الجنوبى؟

بالإنفصال يكون المؤتمر الوطنى قد تخلص من ألد أعدائه، الحركة الشعبية. فقد خرج بعضا من قادة المؤتمر ليعلنوا إنهم لن يسمحوا مجددا للدعوة لقيام سودان جديد فى الشمال بعد الإنفصال. وعلى قادة الحركة الشعبية من الشماليين التوبة من الدعوة لقيام سودان جديد أو الهجرة لجنوب السودان. ولقد حاولت الحركة إبقاء جذوة هذه الدعوة متقدة بإوائها لبعض الحركات الدرافورية. إلا أن إنشغالها بقيام الإستفتاء وما يترتب عليه من من إجراءات أمنية ودستورية وقانونية ولوجستية جعلها تتخلى، ولو مؤقتا، حتى من مساندة حلفائها فى جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق. ولكن هل سوف يفضى الإنفصال إلى سلام وتعايش سلمى بين الشمال والجنوب؟ الأجابة ببساطة لا. فالشمال والجنوب فى تسليح مستمر استعدادا لحرب ما بعد الإنفصال. وهو ما توصلنا إليه مع مجموعة من الخبراء عندما قمنا بمراجعة برنامج نزع السلاح والتسريح والدمج فى شمال وجنوب السودان فى نوفمبر الماضى.

كان من الصعوبة فصل السودان إلى شمال وجنوب لولا تطابق المصالح الشخصية والنفعية الضيقة لقادة الحركة الشعبية والمؤتمر الوطنى. فهاهو البشير صاحب الدعوة لجعل الوحدة جاذبة يعلن فى اليوم الأخير من الإستفتاء أن الجنوب كان عبئا على "السودان" منذ الإستقلال. ووجد منتفعى الحركة الشعبية فى ضعف البنية التحتية بالجنوب فرصة لنهب أموال الجنوب المتدفقة من عائدات البترول. والشاهد حسابات المسؤليين فى كينيا وسويسرا وبريطانيا، أسوة بحسابات قادة المؤتمر الوطنى فى ماليزيا ودبى. إن مصلحة ما يسمى بالشركين هى الإنفصال وليس الوحدة. وإن كنا نعتقد أن الأنفصال سوف يؤدى لسلام وإستقرار نكون واهمين.

السبت، 1 يناير 2011

اليوم نرفع راية........؟؟؟

قد يكون هذا هو آخر احتفال بعيدالاستقلال فى اطار سودان موحد. وقد يكون يوم التاسع من يناير هو اول احتفال استقلال لاهل السودان بالجنوب بعد انفصالهم عن الشمال. حرصت على متابعة برامج الاستقلال على التلفاز و الراديو للاستماع لمحمد وردى وهى يتغنى بنشيد الاستقلال:
اليوم نرفع راية استقلالنا ويسطر التاريخ مولد شعبنا
ولكن خاب رجائى ولم يقدم التلفاز او الراديو هذه الاغنية الوطنية الخالدة بل ترددت الحان العطبرواى وعثمان الشفيع كثيرا.
هل عرض تلفزيون و اذاعة جنوب السودان هذا النشيد؟؟؟؟