6th of April 1985 in Sudan

6th of April 1985 in Sudan

سودانيات

سودانيات هو منبري لمناقشة ومعالجة قضايا السودان مع السودانيين ومن هو قادر على فهم اللغة العربية. وما أطرحه من رأى على هذا المنبر هو رأى أنا شخصيا لايمكن أن يحاسب عليه أحد آخر. أما مبادئ المنبر فإنها تقوم على حرية الرأى،إحترام الرأى الآخر، الموضوعية، تحرى الدقة وتقصى الحقائق.

السبت، 15 يناير 2011

العشاء الأخير ... قبل الإنفصال

حزمت أمتعتى قبل يومين من إنتهاء العام الماضى وتوجهت صوب الخرطوم. ليس هرباً من الثلوج وشتاء السويد القارس بل لمتابعة ومراقبة "إنفصال" الجنوب عن الشمال. فقد حانت لحظات الفراق التأريخى بين أشقاء تربطهم وشائج كثيرة وفضلت أن أتابع هذا الفراق عن كثب. كان أول ماشد إنتباهى وأنا فى طريقى لمنزل شقيقى الذى يسكن فى شمال أمدرمان، تجمع لأسر من جنوب السودان فى ميدان يقع جنوب شارع الحارة الواحد وعشرين المتفرع من شارع الوادى. عند زيارتى لهذا المعسكر صباح اليوم التالى أخبرنى أهله أن هذا المعسكر يقع ضمن برنامج العودة الطوعية والذى تنظمه بعض الوزارات الحكومية بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة. وأن هذا المعسكر بالذات مخصص للعودة إلى واراب فى ولاية الوحدة فى بحر الغزال. كانت هناك أسئلة تحتاج الى إجابة: لماذا يُرحل هؤلاء الناس فى هذا الوقت بالذات؟ لماذا لم يُرحلوا بعد توقيع الإتفاقية وقبل بدء عملية الأستفتاء؟ وأى دعم يُقدم لهم لتاسيس حياة جديدة؟
تصادف أن إحدى زميلاتى فى العمل تعمل كمراقبة للإستفتاء فى واراب ضمن الفريق التابع للإتحاد الأوروبى. سألتها عن أوضاع العائدين من الشمال فأرلست لى تقريرا مدعوما بالصور عن سؤ أحوال العائدين والمعسكرات التى خُصصت لهم. كانت هناك وعود كاذبة ومضللة للعائدين تتحدث عن أموال وأراضى تُسلم للعائد عند وصوله مباشرة. وأنهم سوف يتمكنوا من الإدلاء بصوتهم فى مدينة واراب على الرغم من أنهم سجلوا أسمائهم فى مدن العاصمة المثلثة. وتحدثت التقارير عن تكدس العائدين فى ميناء كوستى النهرى ولم يُسمح لهم بالتصويت حسب قانون الإستفتاء وهو ما سعت وخططت له الحركة الشعبية لإبعاد جنوبى الشمال عن صناديق الإقتراع خوفا من التصويت للوحدة.

لم يهتم الشماليون فى مدن وسط السودان بمتابعة الإستفتاء وكأن الأمرلايعنيهم من بعيد أو قريب. بل ولم يهتموا حتى بقرار زيادة أسعار الوقود والمواد الغذائية التى فرضتها الحكومة قبل يومين من بداية الإستفتاء. فلم يكن الإستفتاء والإنفصال المرتقب حديث الناس فى الأندية أو المواصلات أو المكاتب الحكومية. وكل شخص من الشماليين سألتُه عن رأيه فى هذا الموضوع كان يعبر عن إرتياحه للإنفصال. وكأن سكوت الشماليين هوما قلل من إقبال الجنوبيين على صناديق الإقتراع فى الشمال. ولو سمحت الحكومة فى الشمال للشماليين بالخروج للشارع للتعبير عن رأيهم لخرجت مسيرة مليونية تأيدا للإنفصال. أما الذين حارت بهم السبل فهم الجنوبيون فى الشمال. فكل من سألته كان حزينا لايدرى ما مصيره ولا يدرى إلا إين يذهب. فقد إرتبطت حياته ومعاشه بالشمال. تعبير فرحة الإنفصال كان واضحا فى صحيفة الإنتباهة التى إرتفع إصدارها إلى 96000 ألف نسخة فى اليوم لتكون الصحيفة الأولى بفارق قدره 30000 ألف نسخة عن الصحيفة التى يليها. فقد نحر قادتُها والذين يمثلون منبر السلام العادل الذبائح إبتهاجا ببداية الإستفتاء والذى سوف يفضى إلى إنفصال الجنوب عن الشمال. لم تهتم الإذاعة السودانية كثيرا بالإستفتاء أيضا. الحق يقال أن للإذاعة مراسلين فى كافة الولايات فى الجنوب والشمال يتابعون عملية الإستفتاء ولكن غابت البرامج واللقاءت التحليلية لعملية الإستفتاء وكأن إنفصال السودان ليس حدثا تأريخيا مهما.
أما الأحزاب السياسية والمعارضة السودانية فقد فضلت أيضا السكوت والصمت سوى محاولة يائسة من بعض الشباب قامت بالتظاهر أمام منزل الزعيم الأزهرى وفرقتهم الشرطة بسرعة فائقة. فالمعارضة التى خدعتها الحركة الشعبية بإعلان الإنفصال ودمرها المؤتمر الوطنى على مدى عقدين هما عُمر الإنقاذ فى السلطة لم يكن لديها ما تقوله سوي الصمت الرهيب وتحميل الحركة والمؤتمر الوطنى مسؤلية إنفصال وتفتيت السودان.
وبإنتهاء إسبوع الإقتراع لم تبقى سوى إعلان نتيجة الإنفصال ليبكى من ساند الوحدة ويفرح من ساند الإنفصال من الشماليين والجنوبيين على حدا سواء. ولكن يبقى السؤال المهم: ثم ماذا بعد الإنفصال؟ هل سوف يسود العدل والمساواة فى جنوب السودان أم تطغى قبائل معينة وتفرض سلطتها على القبائل الجنوبية الأخري؟ هل تسطيع الحركة الشعبية توفير الغذاء والدواء فى الجنوب بعد أن كان الشمال هو المصدر الريئسى للذرة ودواء الملاريا؟ أم سوف تقوم الحركة بالإعتماد على الكينيين واليوغنديين للعمل فى المتشفيات والجامعات والأسواق والمدارس؟ ماذا وعدت الحركة الجنوبيين بعد الإنفصال؟ وماذا تملك من موارد بشرية لتنمية المواطن الجنوبى؟

بالإنفصال يكون المؤتمر الوطنى قد تخلص من ألد أعدائه، الحركة الشعبية. فقد خرج بعضا من قادة المؤتمر ليعلنوا إنهم لن يسمحوا مجددا للدعوة لقيام سودان جديد فى الشمال بعد الإنفصال. وعلى قادة الحركة الشعبية من الشماليين التوبة من الدعوة لقيام سودان جديد أو الهجرة لجنوب السودان. ولقد حاولت الحركة إبقاء جذوة هذه الدعوة متقدة بإوائها لبعض الحركات الدرافورية. إلا أن إنشغالها بقيام الإستفتاء وما يترتب عليه من من إجراءات أمنية ودستورية وقانونية ولوجستية جعلها تتخلى، ولو مؤقتا، حتى من مساندة حلفائها فى جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق. ولكن هل سوف يفضى الإنفصال إلى سلام وتعايش سلمى بين الشمال والجنوب؟ الأجابة ببساطة لا. فالشمال والجنوب فى تسليح مستمر استعدادا لحرب ما بعد الإنفصال. وهو ما توصلنا إليه مع مجموعة من الخبراء عندما قمنا بمراجعة برنامج نزع السلاح والتسريح والدمج فى شمال وجنوب السودان فى نوفمبر الماضى.

كان من الصعوبة فصل السودان إلى شمال وجنوب لولا تطابق المصالح الشخصية والنفعية الضيقة لقادة الحركة الشعبية والمؤتمر الوطنى. فهاهو البشير صاحب الدعوة لجعل الوحدة جاذبة يعلن فى اليوم الأخير من الإستفتاء أن الجنوب كان عبئا على "السودان" منذ الإستقلال. ووجد منتفعى الحركة الشعبية فى ضعف البنية التحتية بالجنوب فرصة لنهب أموال الجنوب المتدفقة من عائدات البترول. والشاهد حسابات المسؤليين فى كينيا وسويسرا وبريطانيا، أسوة بحسابات قادة المؤتمر الوطنى فى ماليزيا ودبى. إن مصلحة ما يسمى بالشركين هى الإنفصال وليس الوحدة. وإن كنا نعتقد أن الأنفصال سوف يؤدى لسلام وإستقرار نكون واهمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق