6th of April 1985 in Sudan

6th of April 1985 in Sudan

سودانيات

سودانيات هو منبري لمناقشة ومعالجة قضايا السودان مع السودانيين ومن هو قادر على فهم اللغة العربية. وما أطرحه من رأى على هذا المنبر هو رأى أنا شخصيا لايمكن أن يحاسب عليه أحد آخر. أما مبادئ المنبر فإنها تقوم على حرية الرأى،إحترام الرأى الآخر، الموضوعية، تحرى الدقة وتقصى الحقائق.

الأربعاء، 19 يناير 2011

الفساد والإنهيار تتبعه الثورة في عرف الشعب السوداني

الفساد والإنهيار تتبعه الثورة في عرف الشعب السوداني

د. عبد الله محمد قسم السيد السويد



تتكشف يوما بعد الآخر ورطة حكم الإنقاذ في الإستمرار في تقسيم السودان جغرافيا بعد أن قاموا بتمزيق نسيجه الإجتماعي ونشر الفساد بمختلف أنواعه وفي كل أقاليمه وبعد بيع مؤسساته في قطاعاته المختلفة في الزراعة والتعليم والصحة وغيرها من المرافق الخدمية. فخارجيا وكما لم يعد خافيا أن نظام الإنقاذ سوف يستمر في تنازلاته التي وصلت حد الخيانة في الحفاظ على الوطن حين أصبح الهدف هو كيفية إنقاذ البشير من المحكمة الجنائية الذي لن يحدث أبدا، ولم يعد مهما لديها وحدة السودان والحفاظ على أطرافه التي إحتلتها الدول المجاورة ولا وقف الحرب في دارفور. أما داخليا فإن عصبة الإنقاذ تعمل من خلال أجهزة أمنها المتعددة للحيلولة دون خروج أي معارض للشارع بوسائل عديدة تدربوا عليها من قبل منظمات إرهابية إسلامية وفروا لها إستقرارا مكانيا منذ قدومهم غير الميمون قبل 21 عاما. وأجهزة أمن الإنقاذ للمحافظة على مكتسباتهم المختلفة لا يمنعهم وازع ديني أو أخلاقي أو إجتماعي كما وضح في محاولة حزب الأمة في يوم الجمعة التي كان حصيلتها محاولات قتل لإبنة زعيم الحزب الصادق المهدي مريم وآخرين. لذا فعلى الشعب السوداني توقع الأسوأ وهو يسعى للإطاحة بنظام الإنقاذ.



فإذا رجعنا للوراء 21 عاما للبحث عن إجابة فيما يحدث اليوم في الشارع السوداني من عدم مبالاة فيما تقوم به عصبة الإنقاذ، نجد أنه قد تم بتخطيط واع ومدروس تحسبا لمثل هذه الأيام. لقد تم التخطيط والتنفيذ كما أصبح معروفا اليوم من قبل مجموعة صغيرة ترأسها بداية الترابي ثم سرعان ما انتقلت كنوع من الخداع إلى عثمان محمد طه الذي عمل على تمكين الإنقاذ بمختلف الوسائل لينضم إليها شذاذ الأفاق ومصاصي الدماء من الذين اعتادوا على الجرائم وأكل المال الحرام ليحرسوا الطامعين في السلطة والجاه. وهو ما قاله كشاهد المحبوب عبد السلام من داخل الحركة الإسلامية في كتابه الذي منعت السلطات توزيعه بالسودان رغم انه متوفر على النت. ثم بعد خروج الترابي من سجنه الذي اختاره بنفسه لمزيد من التخفي تكشفت له الحقيقة ثم بعدها أراد إصلاحا وكما أراد لنا أن نعرف المحبوب أو كما قاله الترابي مرارا، لم يكن ذلك ممكنا بعد أن تشبع أتباعه بجاه السلطة وإغراءآتها وسطوتها. فقد كانت قوة أتباعه من الدرجة التي مكنتهم من طرده منها والزج به في السجن فرجع وتاب وندم أيما ندم على تنفيذه الإنقلاب ليس لأنه افتقد السلطة فقط وإنما شعوره بأنه قام بتدمير كل ما بناه بهدف تأسيس كيان إسلامي يطمح من خلاله إعادة بناء مجد للإسلام في أرض السودان. بالطبع معارضته اليوم لن تنجيه كما حدث بعد بعد إنتفاضة أبريل، من الجرم الذي ارتكبه في حق السودان وشعبه من تشريد لأهله وتمزيق لنسيجه الإجتماعي ثم تمزيقه جغرافيا.



واصل علي عثمان محمد طه وهو في مخبئه وسط الخرطوم يدير الدولة البوليسية التي تقودها الحركة الإسلامية فقام مع نافع الأستاذ الجامعي بتعزيز قوة جهاز الأمن الذي أصبح له عدة أسماء ليعدم من يشاء ويعذب من يشاء بأسلوب لم يشهده السودانيون من قبل. السؤآل الذي طرحه الأديب الطيب صالح رحمة الله عليه" من أين أتى هؤلاء" نجد الإجابة عليه في كتاب المحبوب عبد السلام عندما تحدث عن فتح المجال السوداني لكل الحركات والمنظمات الإسلامية المتطرفة لتأتي إلى السودان لتجد لها أماكن للتدريب ومكان آمن تتحرك منه بسهولة بعد أن منح المنتمون إليها جوازات سفر دبلوماسية شودانية فشهدنا في السودان ولأول مرة في تاريخه القديم والحديث أن يدخل أحد المسجد وهو يحمل سلاحا ناريا يحصد به أرواح المصلين وهم سجدا لله رب العالمين أو أن يقتل إنسان ذبحا أو أن يطلق الرصاص على عربة لقتل من فيها. هذه الأفعال التي شهدها المجتمع السوداني ولآول مرة في تاريخه كله هو ما تمارسه هذه المنظمات المتطرفة في كل بقاع العالم بإسم الإسلام، تؤكد على أن التدريب الذي وفرته عصبة الإنقاذ لهذه المنظمات قد كان شاملا أجهزة أمنها مما سيكون له تداعيات كبيرة في هذه الأيام العصيبة التي تبشر بقرب الخلاص مما يعني أن الثمن لهذا الخلاص سيكون عظيما. فقيادات أجهزة الأمن اليوم إرتبطت مصالحها ليس فقط بوجود النظام وإنما ترتبط إرتباطا وثيقا لما تخطط له قوى خارجية تسعى للمزيد من تفكيك السودان بعد أن ضمنت إنفصال الجنوب وليس لهم، أي لتلك القوى من هو أفضل من القيام بذلك غير عصبة الإنقاذ وقائدها الذي يسعى لتنفيذ كل ما يؤمر به إذا ما كان مقابل ذلك إبعاد شبح المحاكمة الدولية. فهاهو جوني كارسون مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية يوقل بوضوح أنهم يتعاونون مع البشير بهدف الوصول إلى إستفتاء الجنوب وهو بالطبع يقصد إنفصال الجنوب، كما يؤكد في نفس الوقت بأن ما يتعلق بالمحكمة الجنائية فهو أمر لابد منه "فعلى البشير أن يرد على إتهامات المحكمة". مما يعني بوضوح كامل أنه كرت رابح لأمريكا تستخدمه للإبتزاز مثله مثل شطب إسم السودان من قائمة الإرهاب الذي هو قرار يتعلق بالكونقرس وليس أي فرد آخر حتى لو كان الرئيس.



لذا فإن حلم نظام الإنقاذ فيما يتعلق بالمحكمة الجنائية وشطب "إسمهم" من قائمة الإرهاب أو اللإعفاء من الديون هي قضايا تستخدمها أمريكا فقط لإبتذاذ نظام الإنقاذ حتى ينفذ كل طلباتهم القادمة بعد أن ضمنوا فصل الجنوب. بهذا فإن الشعب السوداني في "معركته" التي بدأت تظهر معالمها، مع نظام الإنقاذ وأجهزة أمنه، لن ينحصر فيه وحده ولكن سيجد بجانب ذلك التبرير لما تفعله عصبة الإنقاذ من قبل قيادات أمريكية في هذا الوقت بالذات كما جاء في تبريرات كارتر عن الإنتخابات أو إشاداته المختلفة للبشير بشجاعته وصدقه والوفاء بوعده. وسيستمر هذا المدح وذلك الثناء حتى التنفيذ المخطط لدارفور وحتى يوليو 2011 موعد إعلان دولة الجنوب ليظهر بعدها الوجه الحقيقي لأمريكا. لقد إختلفت الكثير من المفاهيم في عهد هذه عصبة الإنقاذ فلا أدري كيف يكون الإنسان شجاعا وهو يقوم بتقسيم بلده ولا أدري ولم أسمع ولم أقرأ عن رجل أشاد به الآخرون وهو يفي بوعد يعرف بأنه يقضي بتمزيق بلده وهو في قيادتها!!!! وفي نفس الوقت الذي يفي فيه هذا الرئيس المغصوب بالوفاء يعمل عكس ذلك في كل ما عاهد عليه الآخرون من السودانين. ألم يعد بأنه سينفذ ما اتفق عليه مع الشريف ذين العابدين الهندي رحمة الله عليه؟ ألم يعد الصادق المهدي في نداء الوطن ثم في إتفاق التراضي؟ ألم يعد مناوي في إتفاقه في أبوجا؟ ألم يعد كل الأطراف السودانية فيما عرف بإتفاقية التعاهد الوطني؟ بل حول هذه الإتفاقية نفسها التي تصر عليها أمريكا وحلفائها لماذا لم يف بتنفيذ بنودها الأخرى المتعلقة بالتحول الديموقراطي وإقامة إنتخابات حرة نزيهة؟ لماذا لم يف بكل هذه الإنفاقيات؟ إن الإشادة التي تأتي من أمريكا ليست صادقة وسرعان ما تزول وتستبدل بعكسها تماما. إن ما يريده الغرب من وفاء البشير هو مساعدته في تقسيم السودان وقد إستجاب البشير ومن حوله فئة صغيرة تخشى من العاقبة المتوقعة لما بعد الإطاحة بهم. لقد حاولت كثيرا أن استوعب ما يقوله الكثير ممن تتوفر لهم فرص مخاطبة الشعب السوداني عبر التلفزيون من قولهم بوفاء البشير وإشادتهم له وهو يمزق بلاده فأشعر بأسى وألم. ألم يقرأ هؤلاء التاريخ العالمي والسوداني فيما يتعلق بعمل رئيس الدولة في الحفاظ على بلده الذي يدعي حكمه؟ ألم يقرأ البشير نفسه تاريخ بلاده ليعرف ماذا عمل خليفة الإمام المهدي وأنصاره وهم يزودون عن يلادهم لكي لا يروها وهي يدنسها الغزاة الباغين بأرجلهم الغذرة وأجسامهم النجسة!!!؟؟ألم يقرأ ماذا قال تشرشل الجندي الباغي في وصف الأنصار حين قال بأنه لم ير ولم يسمع بأشجع منهم!!؟؟ ولكن ليس ذلك بغريب إذا أمعنا النظر في الممارسات غير المسبوغة في السوء والفساد التي طبقتها عصبة الإنقاذ.



فنظام الإنقاذ وهو يمارس ممارساته غير المسبوقة في العرف السوداني يعكس العقلية الإجرامية المنظمة والمستبدة لقادته حين قام علي عثمان محمد طه كما يخبرنا المحبوب في سفره الذي يفضح فيه ممارسات عصبة الإنقاذ بتغيير كل الذي خطط له مع الترابي وهما يتجهان لتنفيذ الإنقلاب. فقد قام علي عثمان مع عوض الجاز بطرد العاملين في الخدمة المدنية وإستبدالهم بذوي الولاء الأعمى والفاقدين المعرفة والخبرة في كل أمر إلا السعي وراء المال وملذات الدنيا والذين وجدوا غطاء دينيا يبرر لهم ما يقومون به ليس على مستوى أفراد بل على مستوى تنظيم كثيرا ما ادعى الصلاح والورع وتدعمه منظمات إسلامية عديدة داخل وخارج السودان. كان الناتج من هذا الفعل تشريد عشرات الألاف من ذوي الخبرة والعلم الذين وجدوا أمامهم أسرا لابد من توفير لقمة العيش لها فكان لابد من خروجهم من السودان رغما عنهم لدول عربية وغير عربية وإلا تشرد أبناؤهم وتفككت أسرهم. هذه الجريمة إعترفت بها بعض قيادات الحركة الإسلامية وهي جريمة كما قالت إحدى المنتميات لها توجب قطع رقاب من فعلها. وقام علي عثمان مع وزير ماليته عبد الرحيم حمدي بخصخصة كل مشاريع القطاع العام وبيعها لذوي الولاء من السودان والمتعاونين معهم من خارجه ليكمل ما بدأه عوض الجاز في تشريد العاملين في الزراعة والصناعة ليلحقوا أهل الخدمة المدنية في الدول الأخرى حتى يقوموا بواجباتهم نحو أسرهم وأهلهم ومن لم يستطع منهم الهجرة الإجبارية، إبتلعته المدينة ليصبح عاطلا يجوب الشوارع مادا يد لم تمتد من قبل إلا لله العزيز المقتدر. ولم يكتف الوزير الهمام وعلي عثمان بفعلتهم تلك بل عملا على تمكين المصارف التابعة لهم من كل أرصدة مودعة في المصارف بعد تجميد الحسابات فيها ثم الإعلان عن تبديل العملة وخصم 2% من كل رصيد لأجرآت التبديل وحجز 20% من كل رصيد يزيد عن 100 ألف جنيه سوداني. هذا التمكين تم من خلال التوسع في التمويل التجاري قصير الأجل بدلا عن الاستثمار طويل ومتوسط الأجل في الزراعة والصناعة وتجاوز السقوف التمويلية لينتشر بذلك الفساد المالي في المصارف والمؤسسات المالية الذي يتحدث عنه المراجع العام في كل تقاريره السنوية.



وتواصل الضغط المصحوب بكل أنواع التعذيب على كل الشعب السوداني لتكون نتائجه إنتشار المجاعة في ربوع السودان وإنتشار الفساد بكل أنواعه وإقصاء السودانيين بمختلف أحزابهم بهدف إستمرار نظام الإنقاذ في السلطة شمل حتى زعيمهم ومرشدهم الترابي فأقصي عن الحكم دون أن يشفع له تدبيره وتخطيطه الذي أتى بهم إلى السلطة. وبعد إنقلابه على زعيمه وولي نعمته بعد الله قام علي عثمان مدفوحا بالطموح السياسي دون بوصلة تهديه فتخبط كثيرا وانبطح أيما انبطاح في وجه من كان يدعي بأنه أعد العدة لها بدنو عذابها وفنائها على يديه. فكان إنبطاحه توسل لها أمام المجتمع الدولي وإعترافا منه بأنه قد نفذ بكل جد واجتهاد كل ما كان يطلب منه من قبل المخابرات الأمريكية. فخطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي حث فيه أمريكا معاونتها على الوفاء بإلتزام نظامه على تحقيق الأهداف التي وقع عليها والتي هدفت كما يحدث الآن إلى تفتيت السودان وتمزقه حين يقول "وإننا نُرحب بقلبٍ وعقلٍ مفتوحين بكافة الجهود التي يمكن أن تُبذل لمعاونتنا على الوفاء بإلتزاماتنا وتحقيق تلك الأهداف السامية". مقابل ذلك يطلب من أمريكا إعفاء ديون السودان التي لا يعرف شعب السودان أين ذهبت، كما يطلب منها إلغاء إجراءآت المحكمة الجنائية ضد البشير ويؤكد لها وللمجتمع الدولي بأنه سيواصل وفاءه بالعهد لتنفيذ تلك الأهداف السامية. فما هي هذه الأهداف السامية التي عمل نظام الإنقاذ على تحقيقها والوصول إليها؟. أليست هي تمكين الجهوية والقبلية وزيادة التنافر وتعميق الاحتقان بين أبناء السودان حتى داخل كل أسرة بجانب تشويه سمعة السودان وإنسانه. أليست هي بيع وخصخصة كل مشاريع ومؤسسات الدولة وبيعها للدول الخارجية في شكل إستثمارات على حساب المواطن السوداني البسيط. ألم يبع مشروع الجزيرة إلى مصر تحت ضغط مصري بسبب محاولته إغتيال رئيسها؟ أليست هي تدويل كل قضايا السودان والطلب لكل من هب ودب في التدخل في شئونه ومنع السودانيين أنفسهم من العمل على إيجاد مخرج وقد تم كل ذلك تحت الضغط الغربي خاصة امريكا وحلفائها في المنطقة. ألم تكن من ضمن تلك الأهداف السامية الخدمات الجليلة التي قدمتها المخابرات السودانية سجون سرية للمخابرات الأمريكية والتعاون في مكافحة الإرهاب وتقديم كافة المعلومات عن المسلمين المشكوك فيهم من قبل المخابرات الأمريكية والذين كان معظمهم في السودان.



لقد كان واضحا لكل مراقب سياسي أن أمريكا من خلال مؤسساتها البحثية المرتبطة بالضرورة بمخابراتها لا تعمل لمصلحة السودان وشعبه وهذا من المعلوم بالضرورة لهذا جاءت كل بنود إتفاق نيفاشا الأساسية تحمل ضمنيا فصل الجنوب لينشئ دولة. يقول في ذلك قطبي المهدي "إن الحكومة تعرف جيداً أن كثيرا مما اتفق عليه في نيفاشا, قد تم الإعداد له في مركز الدراسات الإستراتيجية في واشنطن. وأن هناك أشخاص من هذا المركز تمّ تعيينهم من قِبل هذه الدوائر كخبراء في الإيقاد, قاموا بكل هذا العمل الذي تم. وأن الحكومة قبلت بذلك بناءً علي سياسة الأمر الواقع لأن هناك ضغوطاً لا قِبل لها بها, ولا قدرة لها علي مواجهة هذه القوة الدولية المتربصة بها." (الصحافة 26\2\2005). ومع هذا الوضوح فإن نظام الإنقاذ بعد الترابي سار في الطريق المرسوم له من قبل المخابرات الأمريكية التي تدور في فلك الصهيونية العالمية لهذا لا يكون أبدا غريبا على كل مبعوثي أمريكا ورئيسها الأسبق كارتر أن يقولوا ما قالوا عن شجاعة البشير ونظامه وعن الوفاء بالعهد. مواقف كهذه مليئة بالخيانة لن تتوفر لأمريكا من غير هذا النظام بالتالي فلن تفرط أمريكا فيه إلا بعد أن ينفذ لها ما تبقى من مصالح في دارفور ومن مصالح تتعلق بالإرهاب والذي تقصد به المنظمات الإسلامية التي كانت قياداتها تجعل من السودان مركزا للإنطلاق بعد رجوعها من أفغانستان بعد دحرهم للغزو السوفيتي. لكل ذلك فإن مواقف السودانيين التي عرفوا بها في العالم في الإطاحة بأنظمة فاسدة شمولية عسكرية ستواجه هذه المرة بمشاكل عديدة حتى تستطيع الإطاحة بنظام الإنقاذ. فالشعب السوداني هذه المرة يواجه نظاما عسكريا ليس وحده في الساحة بل تدعمه خفية كل قوى البغي والطغيان إقليميا ودوليا لأنه أصبح ودون تستر يحمي مصالحها الإستراتيجية الدولية والتي أصبح قطافها قريبا. ومع هذه الصعوبات فإن الأمل في أن يحقق الشعب السوداني هدفه كبيرا فإرادة الشعوب هي الغالبة في نهاية الأمر وتونس اليوم تقف مثالا حيا في مواجهة الشعب للطغاة مهما كانت قوة أجهزتهم الأمنية وداعميها من الخارج.

السبت، 15 يناير 2011

العشاء الأخير ... قبل الإنفصال

حزمت أمتعتى قبل يومين من إنتهاء العام الماضى وتوجهت صوب الخرطوم. ليس هرباً من الثلوج وشتاء السويد القارس بل لمتابعة ومراقبة "إنفصال" الجنوب عن الشمال. فقد حانت لحظات الفراق التأريخى بين أشقاء تربطهم وشائج كثيرة وفضلت أن أتابع هذا الفراق عن كثب. كان أول ماشد إنتباهى وأنا فى طريقى لمنزل شقيقى الذى يسكن فى شمال أمدرمان، تجمع لأسر من جنوب السودان فى ميدان يقع جنوب شارع الحارة الواحد وعشرين المتفرع من شارع الوادى. عند زيارتى لهذا المعسكر صباح اليوم التالى أخبرنى أهله أن هذا المعسكر يقع ضمن برنامج العودة الطوعية والذى تنظمه بعض الوزارات الحكومية بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة. وأن هذا المعسكر بالذات مخصص للعودة إلى واراب فى ولاية الوحدة فى بحر الغزال. كانت هناك أسئلة تحتاج الى إجابة: لماذا يُرحل هؤلاء الناس فى هذا الوقت بالذات؟ لماذا لم يُرحلوا بعد توقيع الإتفاقية وقبل بدء عملية الأستفتاء؟ وأى دعم يُقدم لهم لتاسيس حياة جديدة؟
تصادف أن إحدى زميلاتى فى العمل تعمل كمراقبة للإستفتاء فى واراب ضمن الفريق التابع للإتحاد الأوروبى. سألتها عن أوضاع العائدين من الشمال فأرلست لى تقريرا مدعوما بالصور عن سؤ أحوال العائدين والمعسكرات التى خُصصت لهم. كانت هناك وعود كاذبة ومضللة للعائدين تتحدث عن أموال وأراضى تُسلم للعائد عند وصوله مباشرة. وأنهم سوف يتمكنوا من الإدلاء بصوتهم فى مدينة واراب على الرغم من أنهم سجلوا أسمائهم فى مدن العاصمة المثلثة. وتحدثت التقارير عن تكدس العائدين فى ميناء كوستى النهرى ولم يُسمح لهم بالتصويت حسب قانون الإستفتاء وهو ما سعت وخططت له الحركة الشعبية لإبعاد جنوبى الشمال عن صناديق الإقتراع خوفا من التصويت للوحدة.

لم يهتم الشماليون فى مدن وسط السودان بمتابعة الإستفتاء وكأن الأمرلايعنيهم من بعيد أو قريب. بل ولم يهتموا حتى بقرار زيادة أسعار الوقود والمواد الغذائية التى فرضتها الحكومة قبل يومين من بداية الإستفتاء. فلم يكن الإستفتاء والإنفصال المرتقب حديث الناس فى الأندية أو المواصلات أو المكاتب الحكومية. وكل شخص من الشماليين سألتُه عن رأيه فى هذا الموضوع كان يعبر عن إرتياحه للإنفصال. وكأن سكوت الشماليين هوما قلل من إقبال الجنوبيين على صناديق الإقتراع فى الشمال. ولو سمحت الحكومة فى الشمال للشماليين بالخروج للشارع للتعبير عن رأيهم لخرجت مسيرة مليونية تأيدا للإنفصال. أما الذين حارت بهم السبل فهم الجنوبيون فى الشمال. فكل من سألته كان حزينا لايدرى ما مصيره ولا يدرى إلا إين يذهب. فقد إرتبطت حياته ومعاشه بالشمال. تعبير فرحة الإنفصال كان واضحا فى صحيفة الإنتباهة التى إرتفع إصدارها إلى 96000 ألف نسخة فى اليوم لتكون الصحيفة الأولى بفارق قدره 30000 ألف نسخة عن الصحيفة التى يليها. فقد نحر قادتُها والذين يمثلون منبر السلام العادل الذبائح إبتهاجا ببداية الإستفتاء والذى سوف يفضى إلى إنفصال الجنوب عن الشمال. لم تهتم الإذاعة السودانية كثيرا بالإستفتاء أيضا. الحق يقال أن للإذاعة مراسلين فى كافة الولايات فى الجنوب والشمال يتابعون عملية الإستفتاء ولكن غابت البرامج واللقاءت التحليلية لعملية الإستفتاء وكأن إنفصال السودان ليس حدثا تأريخيا مهما.
أما الأحزاب السياسية والمعارضة السودانية فقد فضلت أيضا السكوت والصمت سوى محاولة يائسة من بعض الشباب قامت بالتظاهر أمام منزل الزعيم الأزهرى وفرقتهم الشرطة بسرعة فائقة. فالمعارضة التى خدعتها الحركة الشعبية بإعلان الإنفصال ودمرها المؤتمر الوطنى على مدى عقدين هما عُمر الإنقاذ فى السلطة لم يكن لديها ما تقوله سوي الصمت الرهيب وتحميل الحركة والمؤتمر الوطنى مسؤلية إنفصال وتفتيت السودان.
وبإنتهاء إسبوع الإقتراع لم تبقى سوى إعلان نتيجة الإنفصال ليبكى من ساند الوحدة ويفرح من ساند الإنفصال من الشماليين والجنوبيين على حدا سواء. ولكن يبقى السؤال المهم: ثم ماذا بعد الإنفصال؟ هل سوف يسود العدل والمساواة فى جنوب السودان أم تطغى قبائل معينة وتفرض سلطتها على القبائل الجنوبية الأخري؟ هل تسطيع الحركة الشعبية توفير الغذاء والدواء فى الجنوب بعد أن كان الشمال هو المصدر الريئسى للذرة ودواء الملاريا؟ أم سوف تقوم الحركة بالإعتماد على الكينيين واليوغنديين للعمل فى المتشفيات والجامعات والأسواق والمدارس؟ ماذا وعدت الحركة الجنوبيين بعد الإنفصال؟ وماذا تملك من موارد بشرية لتنمية المواطن الجنوبى؟

بالإنفصال يكون المؤتمر الوطنى قد تخلص من ألد أعدائه، الحركة الشعبية. فقد خرج بعضا من قادة المؤتمر ليعلنوا إنهم لن يسمحوا مجددا للدعوة لقيام سودان جديد فى الشمال بعد الإنفصال. وعلى قادة الحركة الشعبية من الشماليين التوبة من الدعوة لقيام سودان جديد أو الهجرة لجنوب السودان. ولقد حاولت الحركة إبقاء جذوة هذه الدعوة متقدة بإوائها لبعض الحركات الدرافورية. إلا أن إنشغالها بقيام الإستفتاء وما يترتب عليه من من إجراءات أمنية ودستورية وقانونية ولوجستية جعلها تتخلى، ولو مؤقتا، حتى من مساندة حلفائها فى جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق. ولكن هل سوف يفضى الإنفصال إلى سلام وتعايش سلمى بين الشمال والجنوب؟ الأجابة ببساطة لا. فالشمال والجنوب فى تسليح مستمر استعدادا لحرب ما بعد الإنفصال. وهو ما توصلنا إليه مع مجموعة من الخبراء عندما قمنا بمراجعة برنامج نزع السلاح والتسريح والدمج فى شمال وجنوب السودان فى نوفمبر الماضى.

كان من الصعوبة فصل السودان إلى شمال وجنوب لولا تطابق المصالح الشخصية والنفعية الضيقة لقادة الحركة الشعبية والمؤتمر الوطنى. فهاهو البشير صاحب الدعوة لجعل الوحدة جاذبة يعلن فى اليوم الأخير من الإستفتاء أن الجنوب كان عبئا على "السودان" منذ الإستقلال. ووجد منتفعى الحركة الشعبية فى ضعف البنية التحتية بالجنوب فرصة لنهب أموال الجنوب المتدفقة من عائدات البترول. والشاهد حسابات المسؤليين فى كينيا وسويسرا وبريطانيا، أسوة بحسابات قادة المؤتمر الوطنى فى ماليزيا ودبى. إن مصلحة ما يسمى بالشركين هى الإنفصال وليس الوحدة. وإن كنا نعتقد أن الأنفصال سوف يؤدى لسلام وإستقرار نكون واهمين.

السبت، 1 يناير 2011

اليوم نرفع راية........؟؟؟

قد يكون هذا هو آخر احتفال بعيدالاستقلال فى اطار سودان موحد. وقد يكون يوم التاسع من يناير هو اول احتفال استقلال لاهل السودان بالجنوب بعد انفصالهم عن الشمال. حرصت على متابعة برامج الاستقلال على التلفاز و الراديو للاستماع لمحمد وردى وهى يتغنى بنشيد الاستقلال:
اليوم نرفع راية استقلالنا ويسطر التاريخ مولد شعبنا
ولكن خاب رجائى ولم يقدم التلفاز او الراديو هذه الاغنية الوطنية الخالدة بل ترددت الحان العطبرواى وعثمان الشفيع كثيرا.
هل عرض تلفزيون و اذاعة جنوب السودان هذا النشيد؟؟؟؟