6th of April 1985 in Sudan

6th of April 1985 in Sudan

سودانيات

سودانيات هو منبري لمناقشة ومعالجة قضايا السودان مع السودانيين ومن هو قادر على فهم اللغة العربية. وما أطرحه من رأى على هذا المنبر هو رأى أنا شخصيا لايمكن أن يحاسب عليه أحد آخر. أما مبادئ المنبر فإنها تقوم على حرية الرأى،إحترام الرأى الآخر، الموضوعية، تحرى الدقة وتقصى الحقائق.

الخميس، 11 أبريل 2013

يوميَّات إجهاض الإنتفاضة .. مُلخَّص وقائع إجتماعات ما بعد 6 أبريل



    بقلم: عمر الدقير..

    مقدمة
    بحكم عضويته في الأمانة العامة للتجمع النقابي ممثلاً لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم، أُتيح لكاتب هذه السُّطور أن يشارك في جميع المفاوضات والاجتماعات التي عقدها التجمع (بشقيه النقابي والحزبي) للاتفاق على تشكيل السُّلطة الانتقالية وتفصيل مهامها، وذلك بعد نجاح الانتفاضة الشعبية المجيدة في إسقاط نظام مايو صباح السَّادس من أبريل 1985.
    يعتقد الكثيرون – وكاتب هذه السُّطور منهم – أنَّ تلك الاجتماعات وما تمخضت عنه من تشكيل هياكل السُّلطة الانتقالية كانت إجهاضاً مُبكِّراً للانتفاضة، لأنَّ الشعارات التي صاغتها جماهير الانتفاضة والميثاق الذي وضعه قادتها كانت تحتاج لإرادة سياسية فاعلة تؤمن بها وتُحيلها إلى واقع خلال فترة الانتقال .. لكنَّ الذي حدث أنَّ تلك الاجتماعات تمخضت عن تكوين السُّلطة الانتقالية من مجلسين بعُدت الشُّقة بينهما وبين شعارات الانتفاضة وميثاقها .. كما شهدت تلك الاجتماعات خرق ميثاق الانتفاضة، قبل أن يتلاشى صدى هتافاتها، وذلك بتقليص الفترة الانتقالية من ثلاثة أعوام لعامٍ واحد والقبول المجَّاني غير المبرر بالمجلس العسكري كرأسٍٍ للدولة، والأنكى من ذلك، القبول بأن تكون سلطة التشريع عند هذا المجلس وإعطائه حق اختيار رئيس الوزراء وبعض الوزراء. أمّا مجلس الوزراء، فقد أختير أعضاؤه بالترضيات والمناورات والعصبيات المهنية دون استدعاء وتمحيص المواقف السابقة لمن طُرحت أسماؤهم للاختيار وفي بعض الحالات دون الإلتزام بمعايير الاختيار، التي تم الاتفاق عليها، رغم قصورها.
    مساء 6 أبريل 85
    بعد إعلان الجيش إنحيازه للشعب وخروج قادة النقابات المعتقلين من سجن كوبر، بعد أن تهاوت أبوابه تحت ضربات الثوار، عُقد أول إجتماع علني لقيادة التجمع النقابي بدار أساتذة جامعة الخرطوم بمشاركة ممثلي النقابات التي شكلت النواة الأولى للتجمع النقابي ونظّمت وأعلنت الاضراب السياسي وهي نقابات المحامين، المهندسين، الأطباء، المصارف، أساتذة جامعة الخرطوم، التأمينات العامة واتحاد طلاب جامعة الخرطوم.
    تقرر في هذا الإجتماع تكوين الأمانة العامة للتجمع النقابي من عضوين من كل نقابة من النقابات الست بالإضافة لإتحاد طلاب طلاب جامعة الخرطوم .. تم اختيار د. الجزولي دفع الله (نقابة الإطباء) رئيساً للتجمع، م. عوض الكريم محمد أحمد (نقابة المهندسين) أميناً عاماً وميرغني النصري (نقابة المحامين) ناطقاً رسمياً، بينما أُسندت أمانة الإعلام لنقابة أساتذة وإتحاد طلاب جامعة الخرطوم.
    كلّفت الأمانة العامة للتجمع النقابي وفداً من أعضائها لمقابلة الفريق سوار الذهب وزملائه، في نفس الليلة، لاستجلاء حقيقة موقف قيادة الجيش.
    مساء 6 أبريل 85
    وصل وفد الأمانة العامة للتجمع النقابي للقيادة العامة حوالي الساعة الحادية عشر ليلاً، حيث انخرط في اجتماع مع الفريق سوار الدهب ومعه بعض الضباط.
    تحدَّث د. الجزولي عن الواقع المُزري الذي دفع الشعب للثورة بقيادة التجمع النقابي ضد نظام مايو مشيراً إلى أنَّ الشعب قدَّم تضحيات كبيرة من أجل حريته وأنَّ انحياز القوات المسلحة إليه قد حقن الدِّماء التي كان شعبنا مستعداً لدفع المزيد منها مهراً لحريته وكرامته.
    أبدى أعضاء وفد التجمع انزعاجهم لعدم صدور قرار بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين (في غير سجن كوبر) بينما رموز النظام المباد لم يتم التحفظ عليهم.
    أشاد الفريق سوار الدهب بالإنتفاضة الشعبية وقيادة التجمع “الواعية” لها وأكَّد أنَّ ذلك كان دافعاً لهم لاعلان انحياز الجيش لخيار الشعب، كما أقر بقصور القرارات التي صدرت وعزا ذلك القصور لتسارع الأحداث ووعد بتصحيحه .. ثم تحدَّث عن المخاطر الكبيرة التي تهدِّد البلاد والتي تتطلب تضافر جهود الجميع وختم حديثه مؤكِّداً زهدهم في السلطة بقوله: “الحُكُم ده شَعَراً ما عندنا ليهو رقبة”، وأكَّد استعداد الجيش لتسليم السُّلطة للتجمع فوراً إذا كانت هذه هي رغبته (لم يُعلِّق أحدٌ من أعضاء وفد التجمع على هذا العرض).
    تم الاتفاق على مواصلة الاجتماعات بين الطرفين يوم الأحد السابع من أبريل.
    عاد بعض أعضاء الوفد إلى دار أساتذة جامعة الخرطوم وأبلغوا إجتماع الأمانة العامة للتجمع النقابي، الذي ظل منعقداً حتى وقتٍ متأخر من الليل، بنتائج إجتماعه مع سوار الدهب.
    ساد شعور بالإرتياح وسط قادة التجمع النقابي، لكنهم قرَّروا الإستمرار في الإضراب السياسي لحين الإتفاق على إجراءات تسليم السُّلطة.
    صباح 7 أبريل 85
    حضر عددٌ كبير من ممثلي الأحزاب السِّياسية والنقابات، التي لم تتمكن من التوقيع على ميثاق الانتفاضة فجر السَّادس من أبريل، إلى دار أساتذة جامعة الخرطوم وأعلنوا موافقتهم على الميثاق (من الأحزاب التي انضمت لميثاق الإنتفاضة في هذا اليوم: حزب البعث، الحزب الناصري، الحزب الاشتراكي الإسلامي، حزب المؤتمر الافريقي، حزب التجمع السياسي لجنوب السودان، حركة اللجان الثورية، حزب سانو، حزب العمَّال والمزارعين وجماعة الإخوان المسلمين جناح صادق عبد الله عبد الماجد – كانت أحزاب الأمة والاتحادي والشيوعي قد وقَّعت مع التجمع النقابي على الميثاق فجر السَّادس من أبريل).
    تحرَّك أعضاء التجمع الوطني إلى القيادة العامة في عددٍ يزيد على الخمسين شخصاً يمثلون النقابات والأحزاب المكوِّنة للتجمع الوطني.
    عند وصول أعضاء التجمع الوطني إلى القيادة العامة قبل منتصف النهار بقليل، كانت هناك مظاهرة للإسلاميين أمام مبني القيادة العامة تؤيِّد استلام الجيش للسلطة وتدعو لرفع الإضراب، بينما كان قادة هذه المظاهرة قد أُدخلوا إلى إحدى القاعات بمبنى للقيادة حيث أُحْسِن استقبالهم واجتمع بهم الفريق سوار الذهب شخصياً.
    تم إدخال أعضاء التجمع الوطني في قاعة أخرى للإجتماع مع ممثلي الجيش .. ترأس الإجتماع العميد عثمان عبد الله وكان معه على المنصة العقيد حقوقي أحمد محمود والعقيد عبد العزيز خالد.
    حضر هذا الإجتماع علي عثمان محمد طه وعثمان خالد مضوي وأعلنا أنهما يمثلان الجبهة الإسلامية القومية (كانت تلك هي أول مرة يُعلَن فيها اسم هذا التنظيم).
    اعترض المهندس عوض الكريم محمد أحمد على وجود علي عثمان وعثمان خالد في الاجتماع باعتبارهما وجماعتهما كانوا جزءً من نظام مايو حتى قبيل سقوطه .. عثمان خالد ردَّ على المهندس عوض الكريم بمداخلة طويلة، كان ضمن ما قاله فيها: “هي مايو ذاتا الجابا منو” .. رئاسة الاجتماع التزمت الصَّمت ولم تعلق على هذا السِّجال، بينما لم يجد المهندس عوض الكريم بين الحضور من يساند وجهة نظره .. إستمر الإجتماع.
    طالب د. عمر نور الدايم بإجراء الإنتخابات خلال ستة شهور وأيَّده في ذلك سيد أحمد الحسين .. عثمان خالد طالب قيادة الجيش بتشكيل حكومة تكنوقراط وإجراء الانتخابات في أسرع وقت ممكن .. طالب قادة التجمع النقابي باحترام ميثاق الانتفاضة الذي نصَّ على أن تكون مدة الفترة الانتقالية ثلاث سنوات.
    أُختتم الاجتماع بالاتفاق على تمثيل الجيش بعضوٍ واحد في مجلس السيادة، وإحالة قضيتي مدة الفترة الانتقالية وتشكيل الحكومة للتجمع الوطني ليقرر فيهما.
    صباح 8 أبريل 85
    أعضاء الأمانة العامة للتجمع النقابي يتوافدون على دار نقابة الأطباء، ويبدأون اجتماعاً لتقييم الموقف وتحديد الخطوات القادمة.
    وصل العميد عبد العزيز الأمين مع مجموعة من ضباط الجيش إلى دار الأطباء وانخرطوا في نقاشات منفردة وجماعية مع أعضاء الأمانة العامة للتجمع النقابي مارسوا خلالها ضغوطاً مكثفة عليهم لرفع الإضراب .. أشاروا لحساسية الوضع الأمني حسب معلوماتهم الاستخباراتية كما أشاروا لصعوبة الوضع الاقتصادي المعروفة، وأكَّدوا مرة أُخرى عدم رغبة الجيش في الإحتفاظ بالسُّلطة.
    دخل أعضاء الأمانة العامة في اجتماع مغلق للنظر في استمرار الإضراب أو رفعه.
    وردت معلومات للإجتماع تفيد بتجمع جماهيري كبير بشارع الجامعة يطالب برفع الإضراب.
    بعد مداولات عاصفة قرر الإجتماع رفع الإضراب، مع تسجيل إعتراض من نقيب المحامين ميرغني النصري على هذا القرار.
    قرر الإجتماع تأجيل إعلان قرار رفع الإضراب لحين الإجتماع بقيادة الجيش مرة أخرى والحصول على تأكيدات بتسليم السُّلطة للتجمع الوطني.
    ظهر 8 أبريل 85
    إنتقل أعضاء الأمانة العامة للتجمع النقابي إلى القيادة العامة حيث عقدوا إجتماعاً مع ممثلين لقيادة الجيش برئاسة العميد عثمان عبد الله.
    بعد نقاش مطول، تمخض الاجتماع عن تأكيد ممثلي قيادة الجيش عدم رغبة الجيش في الإحتفاظ بالسُّلطة، الإتفاق على تمثيل الجيش في مجلس السِّيادة الانتقالي ورفع الاضراب السياسي فوراً.
    تم استدعاء طاقم من التلفزيون والإذاعة إلى القيادة العامة لتسجيل بيان رفع الإضراب الذي تلاه د. الجزولي دفع الله .. تم التسجيل والتصوير بحضور جميع أعضاء الأمانة العامة للتجمع النقابي استجابة لطلب ممثلي قيادة الجيش .. (تمت أول إذاعة للبيان من خلال نشرة أخبار راديو أمدرمان في الثالثة من بعد ظهر نفس اليوم – كان التلفزيون يبث إرساله في الفترة المسائية فقط).
    قوبل قرار رفع الإضراب بتباين في وجهات النظر بين قواعد النقابات.
    مساء 9 أبريل 85
    إجتمع ممثلو الأحزاب السياسية والنقابات المكونة للتجمع الوطني بدار أساتذة جامعة الخرطوم، لمناقشة تفاصيل مهام الفترة الانتقالية ومدتها وكيفية تشكيل مجلسي السيادة والوزراء.
    حدثت مشادة كلامية في بداية الاجتماع بين د. عثمان عبد النبي، أحد ممثلي الإتحادي الديموقراطي، والأستاذ علي أبوسن الذي حضر الإجتماع برفقة د. خالد المبارك ممثلَين للوطني الإتحادي .. د. عثمان عبد النبي أكَّد ألاَّ وجود لحزب يسمى الوطني الإتحادي بعد اندماجه مع حزب الشعب الديموقراطي عام 68 .. إستمر الإجتماع في وجود ممثلي الحزبين.
    أبرز مهام الفترة الإنتقالية التي حدَّدها الإجتماع هي: تصفية آثار مايو، معالجة الضائقة المعيشية، حل قضية الجنوب، وضع قانون إنتخابات يتيح تمثيل القوى الحديثة تمثيلاً راجحاً وتنظيم الإنتخابات بنهاية الفترة الإنتقالية.
    تم الإتفاق على دستور عام 56 المعدَّل عام 64 ليكون حاكماً خلال الفترة الإنتقالية.
    تم الإتفاق على تكوين مجلس سيادة من خمسة أشخاص وحكومة تضم 15 حقيبة وزارية.
    قدَّم د. عدلان الحردلو إقتراحاً بأن يُكوَّن مجلس السِّيادة من شخصين مدنيَيْن بالإضافة لثلاثة أشخاض يمثلون “ثلاثة بنادق” وهي الجيش، الشرطة والحركة الشعبية بزعامة د. جون قرنق.
    أصرَّ ممثلو حزبي الأمة والإتحادي الديموقراطي على تقليص الفترة الإنتقالية لعام واحد بدلاً من ثلاثة أعوام وسط معارضة شديدة من قادة النقابات.
    دخل إلى قاعة الإجتماع أحد النقابيين ليبلغ المُجتمعين أنَّه تم الإعلان من خلال نشرة أخبار التلفزيون عن تشكيل المجلس العسكري الإنتقالي برئاسة سوار الدهب وعضوية ضباط آخرين ليكون رأساً للدولة بسلطات سيادية وتشريعية.
    أعلن ممثلو أحزاب الأمة والإتحادي الديموقراطي والإخوان المسلمون (جناح صادق عبد الماجد) تأييدهم لقرار تشكيل المجلس العسكري الإنتقالي.
    تباينت وجهات نظر القادة النقابيين من القرار .. قُدمت مداخلات حادَّة من بعض القادة النقابيين ضد قرار تشكيل المجلس العسكري واتهامات بالمؤامرة ومحاولة الإلتفاف على الإنتفاضة.
    بعد مداولات ساخنة، استمرت إلى ما بعد منتصف الليل، قرر الإجتماع قبول تشكيل المجلس العسكري الإنتقالي ليكون رأساً سيادياً للدولة بشرط أن تكون سلطة التشريع عند مجلس الوزراء الذي سيشكله التجمع.
    تراجع القادة النقابيون الرافضون لتقصير الفترة الإنتقالية عن موقفهم، بعد إعلان تشكيل المجلس العسكري الإنتقالي، ووافقوا على فترة العام الواحد.
    مساء 10 أبريل 85
    إلتأم التجمع الوطني، بشقيه الحزبي والنقابي، في إجتماع بدار نقابة الأطباء لمناقشة كيفية تشكيل الحكومة.
    طُرِح إقتراح باستلهام تجربة جبهة الهيئات في أكتوبر 64، وتكوين حكومة تضم الأحزاب والنقابات .. أُستبعد هذا الإقتراح نسبةً لوجود عدد كبير من الأحزاب والنقابات يصعب تمثيلها جميعاً.
    بعد نقاش مطول تم الإتفاق على الأُسس الآتية ليتم بناءً عليها إختيار أعضاء الحكومة:
    - عدم الإنتماء الحزبي
    - الحس الوطني الصادق
    - النزاهة والأمانة
    - الكفاءة والقدرة على القيادة والمبادرة
    - عدم شغل أي منصب دستوري خلال عهد مايو المباد
    صباح 12 أبريل 85
    إلتأم التجمع الوطني، بشقيه الحزبي والنقابي، في إجتماع بدار نقابة الأطباء لمواصلة النقاش حول كيفية تشكيل الحكومة الإنتقالية.
    تم الإتفاق على تحديد عدد الحقائب الوزارية وأسمائها (15 حقيبة وزارية).
    قرر الإجتماع أن تضم الحكومة ثلاثة وزراء جنوبيين على الأقل.
    اقترح صمويل أرو (ممثل حزب التجمع السياسي لجنوب السودان) استثناء الوزراء الجنوبيين من شرط “عدم شغل أي منصب دستوري خلال عهد مايو المباد”، مشيراً إلى أنَّ هذا الشرط إذا طُبِّق على الجنوبيين “ما حتلقوا سياسي جنوبي واحد يشترك في هذه الحكومة”.
    وافق الإجتماع على اقتراح صمويل أرو، رغم إعتراض د. لام أكول وبعض النقابيين.
    قرر الإجتماع أن يكون أحد الوزراء الجنوبيين نائباً لرئيس الوزراء.
    مساء 13 أبريل 85
    إلتأم التجمع الوطني، بشقيه الحزبي والنقابي، في اجتماع بدار نقابة الأطباء لمواصلة النقاش حول تشكيل الحكومة الإنتقالية.
    قُدِّم اقتراح بترشيح الأستاذ ميرغني النصري لرئاسة الحكومة.
    إعترض محجوب عثمان (ممثل الحزب الشيوعي) على ترشيح ميرغني النصري باعتباره منتمٍ حزبياً.
    قُدم اقتراح آخر بترشيح د. الجزولي دفع الله لرئاسة الحكومة.
    شهد الإجتماع انقساماً واضحاً في تأييده للمرشَّحَيْن، ولم يتم الإتفاق على أحدهما.
    بعد نقاشٍ طويل، قرر الإجتماع أن يُقدَّم المرشحان للمجلس العسكري ليختار واحداً منهما.
    تم ترشيح د. حسين أبو صالح لوزارة الصحة والرِّعاية الإجتماعية وتمت الموافقة عليه بالإجماع.
    تم ترشيح د. عدلان الحردلو لوزارة الإعلام، ولكنه اعتذر بحجة أنَّ نقابة أساتذة جامعة الخرطوم قررت ألّا يشارك أيٌ من أعضاء لجنتها في الحكومة الإنتقالية.
    أقر الإحتماع أن ترشح نقابة أساتذة جامعة الخرطوم من تراه مناسباً لشغل وزارة الإعلام.
    صباح 15 أبريل 85
    إلتأم التجمع الوطني، بشقيه الحزبي والنقابي، في إجتماع بدار نقابة الأطباء لمواصلة النقاش حول تشكيل الحكومة الإنتقالية.
    أُبلِغ الإجتماع بقرار المجلس العسكري اختيار د. الجزولي دفع الله لرئاسة الحكومة.
    تم ترشيح الأستاذ ميرغني النصري لمنصب النائب العام، لكنه اعتذر.
    قرر الإجتماع تكليف نقابة المحاميين بترشيح من تراه مناسباً لمنصب النائب العام.
    رشّحت نقابة أساتذة جامعة الخرطوم د. محمد بشير حامد لوزارة الإعلام والثقافة وتمت الموافقة عليه.
    رشّحت نقابة الديبلوماسيين السَّفير إبراهيم طه أيوب لوزارة الخارجية وتمت الموافقة عليه.
    رشّحت نقابة المهندسين م. عبد العزيز عثمان لوزارة الطاقة والصناعة والتعدين وتمت الموافقة عليه.
    رشّحت جماعة الإخوان المسلمين بشير حاج التوم لمنصب وزارة التربية.
    اعترض د. محمد الأمين التوم بانفعالٍ شديد على ترشيح بشير حاج التوم باعتباره ينتمي لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين.
    أكّد ممثل جماعة الإخوان المسلمين أنَّ بشير حاج التوم غير منتمٍ لأي تنظيم أو حزب.
    لم يجد د. محمد الأمين التوم مسانداً له في اعتراضه .. أُعتُمِد ترشيح بشير حاج التوم وتمت الموافقة عليه وزيراً للتربية.
    رأى حزب الأمة ضرورة وجود د. أمين مكِّي مدني في الحكومة الانتقالية وأيَّده آخرون.
    أجمع المجتمعون على د. أمين مكِّي مدني وزيراً للتشييد والإسكان.
    مساء 16 أبريل 85
    إلتأم التجمع الوطني، بشقيه الحزبي والنقابي، في إجتماع بدار نقابة الأطباء لمواصلة النقاش حول تشكيل الحكومة الإنتقالية.
    بعد استعراض عدة أسماء ومناقشة مدى أهليتها للوزارة، تمت الموافقة على ترشيح عوض عبد المجيد لوزارة المالية والتخطيط الإقتصادي، سيد أحمد السيد للتجارة والتموين وصدِّيق عابدين للزراعة.
    قرر الإجتماع أن تُخصَّص وزارات الرِّي، الخدمة العامة والعمل، النقل والمواصلات للجنوبيين.
    قرر الإجتماع أن يتم اختيار الوزراء الجنوبيين بالتشاور بين الأحزاب الجنوبية.
    تم ترشيح الأستاذ محمود الشيخ لمنصب النائب العام وكُلِّف د. على عبد الله عبَّاس (تربطه به صلة قرابة) بإبلاغه وتأكيد موافقته.
    صباح 18 أبريل 85
    إلتأمت الأمانة العامة للتجمع النقابي في إجتماع بدار نقابة الأطباء.
    أكّد د. على عبد الله عبَّاس أنه التقى الأستاذ محمود الشيخ وأنه موافق على تولي منصب النائب العام وسيحضر هذا الإجتماع لتأكيد موافقته.
    حضر الأستاذ محمود الشيخ وتحدَّث شاكراً التجمع على ثقته فيه، ولكن كانت المفاجأة اعتذاره عن قبول الترشيح لمنصب النائب العام لظروف صحية.
    صباح 20 أبريل 85
    إجتماع بالقيادة العامة بين ممثلي التجمع الوطني والمجلس العسكري للإتفاق النهائي على تشكيل الحكومة .. ترأس الإجتماع العميد عثمان عبد الله.
    إستعرض م. عوض الكريم محمد أحمد ترشيحات التجمع للوزارات المختلفة.
    أعلن عثمان عبد الله، باسم المجلس العسكري، قبولهم للترشيحات.
    بعد التداول، فوَّض الاجتماع المجلس العسكري لاختيار وزيري الدفاع والداخلية (وزير الدفاع من الجيش والداخلية من الشرطة).
    فوَّض الإجتماع المجلس العسكري لاختيار الوزراء الجنوبيين بعد التشاور مع القوي السِّياسية الجنوبية.
    اعترض بعض النقابيين على قرار أيلولة سلطة التشريع للمجلس العسكري .. وبعد أخذٍ ورد توافق المجتمعون على أن تكون سلطة التشريع مشتركة بين المجلس العسكري ومجلس الوزراء.
    تحدَّث معظم الحضور مشيدين بالإنتفاضة ومطالبين بوحدة الصَّف والعمل على تنفيذ شعارات الإنتفاضة.
    22 أبريل 85 – إعلان الحكومة الانتقالية
    أصدر المجلس العسكري قراراً بتشكيل الحكومة الانتقالية وفقاً لترشيحات التجمع الوطني بعد أن أضاف إليها العميد عثمان عبد الله وزيراً للدفاع، الفريق شرطة عبَّاس مدني للداخلية، صمويل أرو للرِّي ونائباً لرئيس الوزراء، بيتر جاتكوث للنقل والمواصلات وأُوليفر ألبينو للخدمة العامة والعمل، بينما لم يتضمن القرار اسم شاغل منصب النائب العام.
    تعيين النائب العام
    تواصلت مشاورات التجمع لاختيار النائب العام بصورة يومية .. تم ترشيح عدة أسماء من بينها عبد الرحمن عبدو، عبد الوهاب أبو شكيمة ومهدي شريف إلاّ أنهم جميعاً اعتذروا.
    استقر رأي التجمع أخيراً على ترشيح كلٍّ من مصطفى عبد القادر، عبد الوهاب بوب وعمر عبد العاطي ليختار المجلس العسكري واحداً من بينهم لمنصب النائب العام ، وكان ثلاثتهم حضوراً في كلِّ اجتماعات التجمع.
    في 26 أبريل 85 أصدر المجلس العسكري قراراً بتعيين عمر عبد العاطي نائباً عاماً.
    تعليق
    كان أوَّل شرطٍ لأممٍ وشعوب تجاوزت كبواتها وهزائمها وحوَّلتها إلى رافعة للنهوض والانتصارات، هو استلهام العِبَر والدُّروس من تجارب الماضي بمراجعتها ووضعها في موازين النقد الشجاع الأمين لتفادي أخطاء الماضي وعثراته واقتحام المستقبل بمصابيح تضىء الطريق .. بغير ذلك يسود قول الفيلسوف الإسباني جورج سانتيانا: “إنَّ الذين لا يقرأون التاريخ، محكومٌ عليهم أن يعيدوه”.

الثلاثاء، 2 أبريل 2013

من ذاكرة التاريخ : الانتفاضة فى مدني : واحداث اعتـقا ل عربة البـروفـسير عثما ن كشـومة:عادل علي صالحمن ذاكرة التاريخ : الانتفاضة فى مدني : واحداث اعتـقا ل عربة البـروفـسير عثما ن كشـومة:عادل علي صالح

مقـدمـة لا بد من لمجة تاريخية خاطفة عن الارض السياسية التى تفجرت فيها الانتفاضة ،وعن كنتور طبيعة تضاريسها ، والبيئة التى عايشتها ، وعن المناخ الحياتي الذي اثر وارتبط ارتباطا وثيقا بحياة كل الناس . النضال ضد دكتاتورية نميري هو فعل تراكمي ، منذ استيلائه على السلطة فى مايو 1969 وسقوطه فى ابريل 1985. الانتفاضة ، بدأت تتبلور وتتشكل فى مخيلة الوعي الوطني ، منذ اعلان سيئة الذكر قوانين سبتمبر 1983 ، وبداية الكفاح المسلح فى الجنوب ، الذي قادته الحركة الشعبية لتحرير السودان . مرجل الغضب الشعبي وصل قمته عند تنفيذ حكم الاعدام على الاستاذ الشهيد محمود محمد طه في 18 يناير 1985. فكانت نقطة الا عـودة للمـد الثوري ضد حكم الطاغية. كان ذلك السبب الرئيسي لتكوين التجمع النقابي فى الخرطوم بعد ان سـيطـرت القوى الوطنية على اتحاد طلاب جامعة الخرطوم ( رفض طلاب حزب الامة المشاركة فى التحالف لوجود الشيوعيين ؟) . وفى ذات الوقت فاز تحالف القوى الوطنية بمقاعد اتحاد طلاب جامعة امدرمان الاسلامية . وفي مدني انفرد مؤتمر الطلاب المستقلين بمقاعد اتحاد طلاب جامعة الجزيرة . دانت السيطرة للقوى الوطنية الطلابية متحالفة ، ومؤتمر الطلاب المستقلين منفردا على معظم الاتحادات بمؤسسات التعليم العالي . في ذات الوقت كانت جماعات الهوس الديني ، الاخوان المسلمين بمختلف مسمياتهم ، يبايعـون الدكتاتور السفاح ويحتفـلون بتنصيبه امـاما للمسلمين . احزاب اخرى معلومة تجلـس قياداتها ، على مقاعد مبطنة بدماء انصارهم ، فى اللجنة المركزية للحزب الحاكم الاتحاد الاشتراكي ، بعد ان ادوا قسم الولاء للتنظيم القائد؟ . فى هذه الفوضي كان السودان يدور في اخر ايام نميري ، من حيث انفجرت الانتفاضة عـشــــية الانتفاضــة المجيــــدة: الزمان ... الجمعـة ... الخـامس من ابرايل 1985 . المكان... مدينة ودمدنى... المدينة الجامعية .. ( النشيشيبة ) .. جامعة الجزيرة تقع على الطرف الشمالي خارج حدود المدينة القديمة ... يحدها من الجنوب طريق مدنى القضارف المؤدى الى كبرى حنتوب ومن الغرب طريق مدنى الخرطوم .. ومن الشرق النيل الازرق ومن الشمال قرية عــترة. دُغُـش صباح ذلك اليوم ...افـقـه يعــبق برائحة دعا ش الثورة التى ســتمـطر بعد حـين على سـوداننا .. الذي لم يهـن يوما علينا .. كما تغنى وردي ... اما بالنسبة لاهـل مايو وســدنتها لم تكن افـق الخـرطوم لتتشـح بذلك الاكفهرار الذي ينذر بهـبوب العاصفة ! ، التي سـوف تـدك حصون الدكتاتورية ... كانت بــوادر خريـف الديمقراطـية فى السودان .. مـترع اوديـة ارضنا اليـباب وسهوله ماءَ وخضرة... بالنسبة لنا ممثلى اتحاد طلاب جامعة الجزيرة .. اتحاد مؤتمر الطلاب المسـتقلين فى التجمع النقابى ( تحت الارض ) والذي كان لنا شرف الدعوة لتكوينه .. الماجد طارق الشيخ الطيب رئيس الاتحاد ، الماجد مرتضى كمال خلف الله السكرتير الاكاديمي ، عادل على صالح سكرتير العلاقات الخارجـية . عبارة عن بداية يوم جديد نواصـل فيه العمل لاسقاط دكـتاتورية مايو . نتابع تنفــيـذ تكاليف اجتماع اليوم السابق .. والاستعداد بعمل الترتيبات الازمة لاجتماع اليوم .. الاجتماعات كانت مرتين فى اليوم وفي حالة انعقاد دائم فى ايام اخــر.. ( لاسـباب امـنية ) يحــدد مكان الاجتماع فى او قبل ساعة من انعـقـاده .. وفــق اجـراءات تحويطية معـينة مـتفق عــليها .. تحــــدد مـنزل كبير المهندسين عبدالحفيظ النور حسـن مكـاننا لانعقاد اجتماع اليوم الجمعة 5 ابريل . فى جامعة الجزيرة ، المدينة الجامعية ، النشيشيبة ،حـى الاســاتذة . لمن يصل عن طريق مدخله الشرقي ، يقـع على الناصية ، مع اول طريق فرعي ، يفـتح شمالا ، من الناحية المقابلة ، منزل الدكتور يحي بشير سراج ، المحاضر بكلية العلوم الزراعية و عضو نقابة الاسـاتذة بالجامعـة ويجاوره من الناحية الغـربية مـنزل البروفسـير عثمان على سيد احمد ( كشـومة ) ، المحاضر ورئيس قسم البساتين بكلية العلوم الزراعـية والى الشـرق الشارع المؤدي الى الحـي ، وعند تقاطعه مع الطريق المتجه غربا ، يوجد ( كـشـك الخـفير) او حارس الحـي ، ومن ثــــم فسحــة ميـدان واســع ، يمكن ان تري داخليات الطالبات على حـواف اطرافه الشرقية . انجزنا كل المهام التي كلفنا بها ، فى اجـزاء مختلفة من المدينة ... لتغطية نشاطاتنا ، وتمويه رجالات الامن ، كنا نستعمل اكثر من سيارة فى اليوم الواحد ... هذه السـيارات ( العربات) مملوكة لافراد من ابناء هذا الشعب لم يتوانوا فى اللحظات الحرجة ولم ينكسروا رغم القـمع والاعتقال والتضييق الذي تمارسـه اجهزة امـن السلطة ، فى سبيل دعم الحـرية والديمقراطية .. كانوا كراما يبذلون ممتلكاتهم الخاصـة فى نصـرة الحـق الوطني . الحصـول والوصول الى هــذه السيارات لم يكن بالمهمة السهلة بل تحتاج الى حرص محسوب.. على سبيل المثال ... ياتي شخص لا نعرفه فى ( بيت التامين ) ..وهو المكان الذي ندخـله لنقضي فيه الثلث الاخير من الليل ونغادره عقـب اذان وصلاة الصبح . ويلقى علينا السلام ب كـود متفق عليه ( كلمة السر ) ويسلمنا معلومـات عن مكان السيارة وموضع المفتاح .. في معظم الاحـوال يكونا فى موضعين مختلفين ... المفتاح يوجد فى موضـع معـين فى شــارع عـام معلوم ، السيارة نفسها فى مكان بشارع اخـر ... وحتى لحظـة كتابة هذه السطور .. اي ما يقارب الثلاثين عاما لم يتسنى لنا شرف معرفة معظم هؤلاء الابطال السودانين .. فلهم التحايا الوطنية على نبلهم وشجاعتهم . وبنفس القدر كانت بيوت اهـالى المدينة مفتوحة ابوابها فـهُم فضيلة الكـرم والشهامـة و الجـود ، هذا اقل ما يمكن ان نقول عنهم في هذه العجالة .. نـدخلها فى اواخــر الليل ، نسـترق الحظات لغـفـوة قريرة ، وننهض مع اذان الفجر . فى معظم الاحوال ... لا نرى احـدا من اهــل الدار . وكنا مضطرين ان لا نقضي ليلتين فى مكان واحد ، حسب ترتيبات السلامة ولتامين . هكذا مضى بنا الزمن منذ اغلاق الجامعة فى 31 مارس وحتى انبلاج فجر الثورة فى 6 ابريل 1985. وصلنا الى منزل كبير المهندسين عبدالحفيظ النور فى تمام الساعة الواحـدة بعد الظهر . وجدنا بالمنزل ، كل من البروفسير عثمان فضل (عميد كلية العلوم الزراعية ) ، الدكتور محمود عبدالله ( عميد الطلاب ) ، الدكتور يحي بشير ســـراج ، والبروفسير عثمان كشومة و المهنـدس عـادل سـليمان . توافــد الاعضاء ممثلى النقابات الدكتور محمد فراج ( الاطباء) ، المهندس محمد السنى ( المهندسين ) الاستاذ مجدى سليم ) المحامين ) ، الاستاذ جعفر عبدالرازق ( الهيئة القضائية) . السيد عبدالمنعم رحمــة ، السيد محمد الحسن ( عمال نسيج النيل الازرق) . الاستاذ عبدالعزيز عبدالمنعم ( الزراعيين ) الاستاذ عبدالرحمن حامد ( الضباط الاداريين ) و السيد محمد على رستم ( مشرف مشاتل جامعة الجزيرة).. واخريين (ارجو المعذرة ممن فاتني ذكر اسمائهم..). كانت اجندة الاجتماع هـي التحضير للمسيرة الكبرى يوم الغـد السبت 6 ابريل ، وكان الاعــداد يجري بالتنسيق مع التجمع النقابي في الخرطوم لتتزامن مع المسيرة التى تقرر ان تكون فى نفس اليوم والزمان هناك .. كانت مهمة كتـابة كل بيانات التجمع ونقـاباته ، مكلف بها الاستاذ مجـــدى ســليم المحامي ، والماجد طارق الشيخ . وكانت مهمة طباعة البيانات على الالة الكاتبة وتوزيعها على المراكز .. مسؤولية الماجد مرتضى كمال ، وعادل علي صالح ومن ثم يشارك بعض الحضور فى تشغيل مكنت الرونيو ، وترتيب البيانات ... كانت الالة الكاتبة ومكنت الرونيو لاتفارقنا ابدا ، كنا ننقلها معنا فى ( ضهرية ) العربات تحـت جنح الظلام من مكان الى اخـر ومن عربة الى اخـرى. رحم الله البروفسير الانسان الطيب على الحاج المشرف الادراى لكلية العلوم الزراعية والذى كان لتعاونه وموقفه الوطنى الصادق الفضـل الكـبير في تسـهيل مهمة الوصـول الى مكـنة الرونيـو الخاصــة بالكلـية ، وسماحه باستخدامها ، فقــد كانت الوســيلة الـوحــيدة التى استطاع التجــمع من خلالها ، التواصــل مع جماهير مدينة ودمــدنى عبر المنشورات المطبوعة عليها . فى حوالى الساعة السادسة مساء ، بعد انتهاء الاجتماع وبعد الفراغ من نســـخ وطباعة البيانات لكل النقابات المكونة للتجمــع . كانت مهمتنا تنظيم توزيع تلك البيانات لممثلى النقابات فى الاحيــاء ، وبعض الافراد الناشـطيين فى المدينة ، وبدورهم يوزعـونها عـلى حسب الخطــة الموضوعة... كان علينا التحفظ العالي حتى لا تتعرض ثورة الجماهير في مهدها لهفوات انتكاسية قد تعرقل سيرها فى زحـفها الصاعد .. وسـيلتنا للتنقــل هذه المرة .. سـيارة البروفســــير عثمـان على سـيداحمد ( كشـومة ) .. وكما هو العهـد به لم يتردد .. بل بادر بان سيارته جاهـزة ومليانة بنزين . بالفعل .. اخـذ مرتضى المفتاح ورافـقه طارق وشخصي واكملنا المهمة بنجاح وتمكنا من تسليم بعض البيانات الى الاشخاص المنوط بهم ذلك . مثلا ، هنالك تاجــر ، صاحب دكان فى حـي بانت ، كان يمثل مركز توزيع رئيسي ، لبعض النقابات مثل عمال المؤسسة الفرعية لاعمال الري ، و نقابة البحوث الزراعية ، والعاملين بشركة مواصلات الجزيرة، والعاملين بالمدبغـة الحكومية ، ولبعض الناشطين فى ذلك الحي لـيتم نشرها بين السكان . كما تركنا الجزء الاخــر من المنشورات فى مواقع ونقاط محــددة فى ( حـتات) مثلا بالقرب من عمود فى طرف الشارع ، او عند مدخل المستشفى او تحت صندوق فى السوق وهكذا ، لمنـاديب النقابات الذين ســوف يحضروا فى وقت لاحــق لاخــذهـا. قررنا ان نعود الى النشيشيبة لاخــذ مكنة الرونيو وتسليم البروفسير كشومة سـيارته . تبقت لنا وقفتان الاولى منزل زملينا محمد الامين الجعلي ( الدفعة الاولى طـب) فى حي بانت ، وان نترك طارق هناك ، ليمر بـه المهندس محمد السني ويذهبا سـويا لمقابلة السيد صالح عوضة فى مدبغـة الجزيرة ، لتنفيذ بعض المهام . والوقفة الثانية كانت لمقابلة عبدالعزيز عبدالمنعم فى نقطة بالقرب من منزله لتسليمه المنشورات الخاصة بالزراعيين وقـد كان . جرت العادة ، كضرورة تامينيه ، تتطلب الكثير من اليقظة ، تملى التصرف بحيطة وحذر . لا نسلك طريق سير مباشر او ثابت ، خطوط السير شوارعا متعددة ودروب متعرجة غير مباشرة .. نغير اتجاهات حركتنا كثيرا.. حتى نتاكد من اننا غير ملاحقين او مرصودين من قبل اجهزة الامن .. يرجع الفضل للمهندس محمد السني ، ممثل نقابة مهندسي الري .. خبير التامين السياسي الذي اسـتفدنا منه فـائدة لا يمكن ان نعلمها من دونه . حوالى الساعة العاشرة مسـاء تقريبا .. وصلنا الى منزل المهندس عبدالحفيظ النور عائدين من ود مدنى ، وبمجــرد وقــوف العـربة ، امــام المنـزل نزلت لفتـح البوابة .. اصابتنا الدهشة والحيرة ورفعت علامات التعجب .. لان الاتفاق ، البوابة سوف تبقى مفتوحـة حتى نرجع ؟ وقفلها هو كلمة السر ، واعلان نجاح مهمتنا ؟؟ . منازل الاساتذة بالجامعة كان سـورها الخارجي من الاشــجار وابوابها الخارجية واسعـة وقصيرة مصنوعة من الحديد ( الشبك ) يمكن ان ترى من خلالها بوضوح باحـة المنزل وحديقته الامامية ، وتستعمل ايضا مدخـل للسيارات .. اذا بصــوت خفيض ينادي عادل ، مرتضي .. كان مصدره من اتجاه منزل الدكتور يحي بشير ســراج ؟ .. وكما ذكرت في مرة سابقة ، هو المنزل المجاور فى الواجهة المقابلة .. يفصل بينهما شــارع مسفلت ضيق .... خببت فى اتجاه المنزل وجـدته عند البوابة من الداخـل . نبهني الى ان ( نتصرف ) بسرعة لان قوة من الامن داهمت المنزل واعـتقـلت كل من فيه فى ذلك الوقت المهندس عبدالحفيظ النور والمهندس عادل سليمان ودكتور كشومة وصـادروا مكنت الرونيو . والامن يراقـب المنزل ، من كشك الخفير . عدت سريعا .. طلبت من مرتضى ، ان ( يدور ) وعلينا مغادرة المكان فـورا ، اخبرته بكلام الدكتور ، واضفت ان علينا التصرف باسرع فرصة والتخلص فى الاول من السيارة ، لانها معروفـة لدى جهاز الامن . وبمجرد خروجنا من حـى الاسـاتذة .. وعند اللفـة قبيل دار الاتحـاد والنشاط الطلابي انتبه مرتضى الى ان هنالك موتر سايكل وعربة تايوتا (بوكس) ، بالقرب من داخلية الطالبات .. وبعد مــدة مـن تجاوزنا مباني الكليات في طريقنا الى خارج المدينة الجامعية ، تراءت حركة انوار السيارة والمـوتر سايكل من على البعـد من خلال الظلام الكثيف .. زاد مرتضى من سرعة السيارة ، انطلقنا شـرقا فى طريق مدني – القضارف ومن ثم اتجهنا جنـوبا بشارع الدباغـة وانوار السيارة والموتر سايكل تقـترب .. انحرف مرتضى يمينا ناحية سينما رودي.. لاحظت توقف السيارة البوكس على شارع الدباغة بينما ظل الموتر فى متابعتنا .. ثم فى اول طريق بعد السينما اخذنا يسار ، واستمرينا على نفس المنوال ، ناخــذ يمين ثم نرجع شمال .. لا ندري وجهـتنا . فجأة اخـتفى الموتر من متابعتنا ولم يبقى له اثر . لم نكن نلم بتفاصيل شوارع وازقة الاحياء الداخلية ... بالصدفـة وحـدها وجدنا انفسنا مرة اخري فى شارع الدباغـة عند لـفة حي المدنيين .. ثم واصلنا سيرنا فى اتجاه شارع النيل . انحرفنا الى اليسار عند المدرسة الاميرية لندخل حي ام سويقـو ، وعدنا مرة اخري الى شارع النيل مـرور بمباني رئاسـة حكومة الاقليم الاوسط ، هنا ظهر الموتر مرة اخرى يتعقبنا ، انحرف مرتضى جنوبا بشارع الجمهورية المؤدي الى السوق الكبير . الموتر مازال يلاحقنا . ومرتضى يزيد من السرعة .. بالمناسبة هى سيارة تايوتا كرونا صالون اربعة ابواب .. وعند مكتبة الفجر وركن حديقة وقيع الله ، فجاة غير مرتضى الاتجاه ونحرف يسارا ، ثم انحرف يمين على شارع اتجاه واحد جنوبا . كانت الساعـة تشير الى الحادية عشر والربع مساء.. السوق خالى تماما من اى حركة للافراد او السيارات ما عـدا حركة بسيطة عند موقف المواصلات . وقبل ان نصل الى تقاطع شارع المستشفى اختفى الموتر مرة ثانية ، عندها غيرنا اتجاه السير ، بدلا من دخول المستشفى ، اتجهنا غربا بشارع الدكاترة ... لمنزل احد الاقارب فى ذات المنطقة ، عـلى امل ان يكون الوقت فى صالحنا ونتمكن من اخـفاء السيارة فى منزلهم .. ولكن هيهات لم يكن احد بالمنزل ..وهنا تمكن الموتر من رؤيتنا بعد ان تجاوز الشارع غـفل راجعا .. وبدات المطاردة من جــديدا .. واصلنا هذه المرة بشارع المستشفى شرقا .. ثم يمـينا بشارع (مايو) متجاوزين ســجن مـدنى العمومى ورئاســـة جهـاز الامـن ... وبعد قليل ظهرت ســيارة تايـوتا بوكس اخــرى بالاضافة الي الموتر ... فى حى مايـو فـؤجـــئنا بان الطريق مقفـول امــامنا تماما .. بواسطة ســيارتى تايوتا (بوكس) ، ووقوف خمسة افراد فى منتصف الطريق . والسيارة البوكس والموتر يضيقـان علينا .. اخـذ مرتضى فى تخفيض السرعة , والسيارة تبطئ .. لاحظنا ان هنالك حـفل فى احدى البيوت الفاتحة على الشارع ، فما كان من مرتضى الا ان انحرف فجأة وبسـرعة نحـو ( صيوان ) المناسبة ، تابعتنا السيارة البوكس والموتر سايكل وقفوا بجانب سيارتنا . كنا قـد غادرناها مســرعين الى داخـل ( الصيوان ) ، ترجل ثلاثة افراد للحـاق بنا .. فـنان يصـدح .. حـلــقـة رقـيص (عجاجتا فــوق ) .. هـيئاتنا تـدل على اننا ( الخـطأ ) فى المكان الصــحيـح ؟؟ نتــلفـت ذات اليمن وذات اليسار .. ومرة حول نفسنا.. وبطــرف العـين.. نحاول نسـرق الصــورة الورانا ؟؟ . كانت كل امالنا معلقــة على ان ( نعــتر ) فى واحــد من طلاب الجامعة .. عسي ان يتمكن من مساعدتنا.. ونستطيع ان نتـدبر المخـــارجــة . لســوء حظنا لم نجـد اي من طلبة الجامعة او اي من المعارف فى تلك اللحظـة .. نتحاور في ما بيننا ماذا نفعل .. وما هي الخطة .. واحد من افرد الامن يتحرك ناحيتنا ، حتى صار على مقربة ..وبكل غضب ، قال بيده هكذا ، أي ( اصبروا او انتظروا) ، وظل يكررها ، متى ما التفتنا ناحيته .؟؟. كنا نتكلم بصوت شوية عالى حتى نتمكن من سماع بعضنا البعض صوت الفنان وفرقته ومكبرات الصوت كانت صاخبة ومزعجـة ؟؟ على كل حال .. ما ان يتحرك رجال الامن ناحيتنا .. ( نفـج) طريقنا فى الزحام ( لي قـدام) نحـو الصفوف الامامية .. منظــرنا لفت انتباه بعض الحضور ؟؟ فى لحظ محـددة اتفقنا على ان نفترق فى محاولة لتشتيت افراد الامـن ، واذا تمكنوا من اعتقال اي منا او كلنا .. اكدنا على ضرورة تنفيـذ استراتيجية كيفية التعامل مع الاستجواب والتحقيق ومقاومته ... كنا قد تدربنا واعدينا انفسنا تمام الاعداد لتقبل هذا الاحتمال فى تلك اللحظـة يظهر .. ملازم سـجون ( يعمل فى سجن مـدني ) نعـرفه ، هو الشـقيق الاصغر لزميلنا الطالب بكلية الطـب ، وقـد توثقت معرفـتنا به ، بواسطة صديق مشترك ، زميله فى العمل ودفعته الملازم ( ود حلتنا من بحرى) ... يرقص مـع مـجمـوعة من الشابات .. فما كان مني الا ان تقدمت نحــوه ..اندهش ، فاتحا عينيه بتساؤل ؟ ، لم اعـطه فرصـة سلمت عليه بالاحضان .. وهمست فى اذنه ، ناس الامن مطاردننا .. اجابني ، شايفهم ؟؟ ..تحدث الى الشابات بان يواصلن رقيصهن وان يبقين فى مكانهن حتى يرجع وذكرني بان اظل واقفا ونادى على مرتضي بيده ان يحضر .. واستاذن .. غاب لفترة قصيرة ثم رجـع .. واثناء التظاهر بالرقيص .. اوضح لنا ان الخطة جاهزة .. وهي ان نتحرك الى داخل المنزل ( منزل اهل العروس وهم اقرباؤه ) ، سوف تقابلنا الحاجـة فاطنـة ، لتحدثنا بالتفاصيل .. وما علينا الا التنفـيذ . واحـد تلو الاخر ( انسللنا ) الى داخل المنزل .. قابلتنا الحاجـة فاطنة بترحاب وعطف كبير.. يا اولادي اكلو حاجة .. شكلكم ( جعانيين ).. رغم الحاحها الا اننا شكرناها معتذرين ان علينا الذهاب...الحقيقة كنا جـياعـا ، فلم نذق طعاما خلال اليوم .. ما عـدا شاي الصباح ، والقيمات .. الذى تناولناه فى منزل زميلنا وصديقنا ، عبدالعظيم عبدالغني ( خريج الدفعة الاولى زراعة ) فى حي مائة واربعطاشر ، حي العمال الشوامخ ، حيث قضينا ليلتنا السابقة . على كل، فى تلك اللحظات لم نكن نفكر فى الاكل بقدر ما كنا نريد ان نعرف منها الخطة كما ذكر صديقنا (ملازم السجون ) ... وبالفعل وضحت لنا بعد ان اجلستنا على ( بنابر ) بالقرب من الطباخين والحلل والقدور الكبيرة ؟؟ .. اولا علينا ان ( ننط الحيطة دى لبيت الجيران ، ما تخافوا حاج عثمان عارف ، ومن هناك هو بيفتح ليكم الباب .. اجـروا على يدكم اليمين لحدي نهاية الشارع برضوا لفوا يمين .. وبعدين يمين .. البيت الثالث الفاتح على الشارع الرئيسي .. يعنى فى نفس شارعنا ده .. ده مـيز ضباط السـجون .. ادخلوا بتلقوا مضمــون اســمـوا ادم .. قولوا ليهو دايرين اوضــة ( النقيب صلاح ) ، وهاكم ده المفتاح الاداني ليهو صاحبكم ( ملازم السجن ) .. ) ( نطينا ) الحيطة ، حاولن بعض النسوة الموجودات فى الحوش .. الصياح او الصراخ لكنها ( قمعتهن وزجرتهن ) .. اســكـتن؟؟ . حاج عثمان اسـتقبلنا فى الجانب الاخر من الحيطة بتجهيز طربيزة حـديد ننزل عليها من علو الحائط .. شجعنا بكلام طيب ، ودعاء الله بنجاح نضالنا فى ازالة حكم الطغاة .. ثم فتح لينا الباب ، واعاد وصف خارطة الطريق الى بيت مـيز ضباط السجون ... وخرجنا .. واحـدا .. بعــد دقائق الاخر .. وصلنا الى المـيز .. وجـدنا ( المضمون ) ادم .. فتحنا غرفة النقيب صلاح ، دخلنا وقفل الباب .. اخبرنا بانه حارسنا ، تنفـيذا لتعليمات الملازم . ولن يسمح الى اي شخص بدخول (الاوضـة ) .. كانت الساعة الثانية صباحا ... لم نتحدث الى بعضنا اكثر من خمس دقائق تقريبا .. لنفـيق فجأة على صوت طرق على باب الغرفة .. فتحت الباب اذا هو صديقنا ( ملازم السجن ) ، والساعة تقريبا حوالى الثالثة وخمسة واربعون دقيقة ... يحمل معه بعض طعـام من طرف حاجـة فاطنة .. طعمية ، لحمة ، رغيف ، وفطائر .. حدثنا بان الحفـلة انتهت منذ قـليل ... ( وان ناس الامن بعـد ما قنعوا منكم .. حارسين العربية .. معتقلنها عديل ..) كما قال.. وطلب من مرتضى ان يعطيه المفتاح ، عسى ان يتمكن من تدبيـر وسـيلة ، او يخدمه الحظ لاخـذ السيارة .. حذرنا بان ( حدوا معانا الساعة خمسـة ).. ثم غفل راجعا من حيث اتى ... تفاكرنا فى كل السناريوهات المحتملة .. وكنا قلقين على مصير سيارة البروفسير كشومة ، خاصة مرتضى كان الاكثر قلقا وانزعاجا ، وظل يردد ان هذه امانة ولازم تسلم الى صاحبها فى الاول .. واذا كان فى قـبض ، احسن يقبضونا نحن بس العربية ترجع للـبروف... وانه حيطلع ويمشي للجماعة ديل .. ويحصل ما يحصل .. وبينما نحن فى هذه النقاشات ..عاد صديقنا ( ملازم السجن ) حوالى الساعة الخامسة والربع .. وهو يبتسم قال خلاص فـرجت .. بصوت واحد ردينا .. ادوك العربية .. اجاب .. لا ما قدرت اشيلها ... لكن عرفت من الضابط النبطشي فى السجن حاجات كويس ، اول حاجة جماعتكم القبضوهم امس جابوهم السجن ولموهم مع المعتقليين السياسيين التانيين .. وده خبر كويس جـدا لانو لو خلوهم لناس الامن كان بعذبوهم ( وبالفعل فقد تم تعذيبهم هناك كما عرفنا لاحقا ).. الحاجة التانية انو ناس الامن رفعوا ليهم الاستعداد اكثر من مائة فى المائة !! تسالنا كيف ؟ اجاب ، لما يرفعوا الاستعداد لدرجاته القصوى ما فى اذن لاي زول .. ولازم كل القوة تكون فى الخـدمة ، ويشكلوا حضور فى طابور التمام الساعة السادسة .. وده معناتو الجماعة الحارسين العربية لازم يرجعوا لرئاسة الامن... يبقى لازم ارجع اراقبهم وفى اللحظة البنصرفوا فيها بجيب العربية واجيكم بعدها تتخارجوا ودبروا امركم .. اتفقنا على كده .. عاد (ملازم السجن ) يقود سيارة البرف.. فى حوالى الساعة الخامسة واربعون دقيقة ... ودعناه وشكرناه بحرارة .. ونحن نستعد لمغادرة المكان .. حذرنا مرة اخرى من ان لا نحتفظ بالسيارة لمدة طويلة .. ويجب التخلص منها باسرع فرصة... تشـاورنا فى امرنا ووجدنا ان اسرع طريقة هي ان نذهب الى منزل صديقنا عبدالله عكود الطالب بالجامعة كلية العلوم والتكنولوجيا ... فى الطريق ناقشنا بعض البدائل ...في النهاية تمكنا من الوصول الى منزل المرحوم الدكتور حسن حسين النعيم مدير مستشفي الصدرية السابق ... فى الحي السـوداني وجـدنا ابنه خالد الطالب بكلية الهندسة جامعة الخرطوم ، وبالفعل اخفينا سيارة البروف داخل منزلهم ، ووفـر لنا خالد سيارة اخرى ، وقبل ان نتحرك حضر الدكتور حسن حسين من خارج المنزل ممسكا راديو ، خاطبنا ، انتو ما شين وين .. اجبنا ، للمشاركة فى المظاهرة التى اعددنا لها لتكون هذا الصباح .. قال تعالوا اقعــدوا اسمعوا الكلام ده... مـوسيقـى مارشات عسكرية تنطلق من الراديو .. ومـذيـع يعلن للمستمعين الكرام ، بان القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة سوف تذيـع عليكم بيانا هاما بعـد قـليل .. فترقبــوه؟؟ خـيم صمت مطبق على مجلسنا ما عـدى صوت المارشات العسكرية .. التى يقطعها صوت المذيـع ... يطلب منا ترقب البيان الهـام بعد قليل ..؟؟ استمر الحـال وعيوننا مسمرة على الراديو كاننا نشاهد تلفزيونا ... واذا بالمشير عبدالرحمن حسن سوار الذهب يعلن انحياز قوات شـعبنا المسلحة الى الجماهير .. استيلاء القوات المسلحة على السلطة .؟؟ واطـلاق ســراح عربية كشومة ؟؟ .. فجـأة ينتهي كل شي .. انهارت قلاع الديكتاورية فى لحظـات ...وهذه كانت لحظة بداية ونهاية ... بداية عهـد جديد، ونهاية عهد بغـيض . يا لهــا من اربع وعشـرون ساعة . البروفسير عثمان عـلي سيداحمد ( كشومة ) هـــو ســنام فخـرنا وهـــذه احـــدى مــآثره التى اكــرمه الله بها . نترحم على ارواح الذين فارقوا هذه الفانية الى دار البقاء ، من قيادات التجمع النقابي فى مدني .. الدكتور محمد فراج ،رئيس نقابة الاطباء ، الدكتور مدني احمد عيسي ، سكرتير نقابة الاطباء، السيد عبدالمنعم رحمة رئيس نقابة العاملين بمصنع نسيج النيل الازرق ، الدكتور محمد نورالدين حسين المحاضر بكلية الاقتصاد ( الحزب الناصرى) ، البروفسير صلاح طه المحاضر بكلية الطب ( نقابة الاساتذة) ..المهندس عبدالحفيظ النور ، والمهندس عادل سليمان اللهم ارحمهم نزلهم فسيح جناتك .

الاثنين، 1 أبريل 2013

البشير وافورقى - تعاون الأعداء للبقاء فى مقعد السلطة

البشير وافورقى - تعاون الأعداء للبقاء فى مقعد السلطة سيف اليزل سعد عمر هذا المقال هو ملخص محاضرة قدمتها فى مدينة استوكهولم بعنوان العلاقات الاريترية السودانية ، العمل السياسي المعارض - صعوبات التغيير وآفاق التعاون. وهى مشاركة متواضعة فى فهم قضايا المنطقة خاصة فيما يخص العلاقات السودانية الاريترية والتى تأرجحت من تعاون مع بداية الانقاذ وتحرير اريتريا بين السودان وإريتريا الى عداء بين الحكومتين ثم تعاون تام بين البشير واسياس افورقى. . ماهى الثوابت التى تحكم العلاقة بين السودان وإريتريا؟ لماذا دعمت اريتريا والسودان المعارضة ضد بعضهما البعض ؟ ولماذا لا تتعاون المعارضة الاريترية والسودانية لإسقاط حكومات الاستبداد فى الخرطوم وأسمرا أم انها تفقد الثقة فيما بينها بسبب دعم البشير واسياس لها؟ ليس هناك دولة تفوق إريتريا من حيث التداخل الأثنى والمصالح الاقتصادية والاستراتيجية مع السودان. فهى فى اعتقادى، تأتى فى المرتبة الأولى تليها تشاد . فدول مثل مصر وليبيا يبقى ارتباطنا بها ارتباطاً وجدانيا بسبب العامل اللغوي مع تداخل عرقى أضعفته العوامل الجغرافية القاسية بوجود الصحراء الكبرى ومن بعدها إغراق وادى حلفا بمياه النيل بسبب مصالح مصر فى قيام السد العالى. فالعلاقة المصرية السودانية هى علاقة استعمارية من الجانب المصري ومبنية على المصالح المصرية وحسب روءية المصريين الاستراتيجية بان جنوب الوادي هو امتداد للمصالح المصرية فى المياه والأراضي الزراعية حتى وان كان ذلك على حساب تهجير السودانيين او انفصال الجنوب او بقاء نظام موالى للقاهرة او استعداء السودان على اثيوبيا او إريتريا او دول منابع النيل جنوب السودان. فى حين ان حدود السودان مع إريتريا سمحت بهجرات وتداخل متواصل بين قبائل المنطقة بمساعدة الطبيعة الجغرافية مقارنة بحدود السودان الصحراوية مع ليبيا ومصر. وهى حدود تحكمها ثلاث اتفاقيات الأولى منها بين مصر وإيطاليا سنة ١٨٩٨ بين راسي قصار الى ملتقى خور امبكتا مع خور بركة والثانية بعد عام من الأولى وهى من خور بركة الى سبدرات والثالثة عام ١٩٠١ وتشمل سبدرات الى جبل ابو قمل . هذه المناطق الحدودية لها اهمية رعوية وزراعية ومعدنية وتجارية وموارد مائية . الحقيقة المعروفة ان هذه الحدود الوهمية هى مناطق تداخل تاريخى ضارب فى القدم بين قبائل البجة، البنى عامر الرشايدة والشكرية . ثم كانت هى نفس الحدود التى عبرها الاريتريين طيلة حرب التحرير وحديثا الهروب من الاضطهاد والانتهاكات التى يمارسها افورقى ضد شعبه. عدديا كانت هجرة ونزوح الارتريين الى السودان هى الأكبر بسبب الحرب والجفاف وتدهور الأوضاع الاقتصادية فى إريتريا . فقد وصل تعداد الاريتريين فى بداية الثمانينات فى معسكرات اللاجئين فى شرق السودان حوالى مليون لاجئي . الا ان هجرة الاريتريين للسودان يعود تاريخها الى ما قبل استقلال السودان ثم ازدادت مع انطلاقة الكفاح المسلح ضد الاحتلال الاثيوبى. فالحقيقة ان العديد من الاريتريين شاركوا فى قوات دفاع السودان فى فترة الاستعمار البريطاني - المصري. إريتريا هى الدولة الوحيدة التى استقر مواطنوها فى السودان بمعدل أكبر من أية دولة حدودية اخرى مع السودان. لا أبالغ فى اعتقادى ان سبعين بالمائة من الذين هاجروا او نزحوا للسودان قد استقروا فيه بصورة دائمة . سودنة الاريتريين وأثرها على قضايا الهوية فى السودان يعانى السودان أصلا من أزمة هوية تستوعب الاختلاف الاثنى والثقافى والدينى بحيث يضمن ويحمى حق المواطن السوداني فى السلطة والثروة. وأدى تمركز السلطة فى وسط وشمال السودان وتهميش الشرق والجنوب والغرب الى النزاع المسلح الذي يعيشه السودان منذ عام ١٩٥٥. احدي نتائج هذه الأزمة هو انفصال جنوب السودان بدعم ومساعدة من إريتريا بصورة مباشرة وغير مباشرة. والنزاع مستمر فى دارفور وكردفان والنيل الأزرق بتدخل إثيوبي وأفريقي ودولى. في ظل أزمة الهوية هذه ودفاع المهمشين عن حقوقهم بالسلاح من السهولة وصف مواطن سودانى من الشرق بانه "حبشي " او مواطن من الغرب بانه "تشادي" هذا بعد انفصال الجنوب ومعاناة أهله من كلمة "عبد" لعقود طويلة. ومثلما يجد العديد من السودانيين صعوبة فى التمييز بين البنى عامر والهندندوة وإطلاق كلمة ادروب على كلاهما فإنهم وجدوا ايضا صعوبة فى التمييز بين الإريتري والاثيوبى واطلقوا على كلاهما كلمة حبشي. هذه النظرة كانت متفشية وسط قادة السلطة والأحزاب السياسية السودانية بعد استقلال السودان ولا زالت سائدة حتى الان فى فى العديد من مدن السودان الشمالى والأوسط والغربي . ولعل هذا الجهل بأهمية القضية الاريترية وتأثيرها المباشر على استقرار السودان وإريتريا نفسها هو الذى أجج وأطال أمد النزاع المسلح بين الشمال والجنوب نتيجة المساومة السياسية بين السودان وإثيوبيا حول الصراع فى إريتريا وجنوب السودان وجد الاريتريين ملاذا آمنا فى السودان. واتخذوا أراضيه قواعد لانطلاق العمل المسلح لتحرير اريتريا. فقد وصل عدد معسكرات استقبال اللاجئين الى حوالى ٢٨ معسكرا بنهاية عام ١٩٩٢ منذ افتتاح معسكرات أم سقطة وودالحليو فى عام ١٩٦٩. بعض من هذه المعسكرات أصبحت مدن مثل معسكر ودشريفى والذي افتتح فى عام ١٩٨٢. وعندما زرته فى عمل تطوعي فى عام ١٩٨٥ كان عبارة عن أكواخ من الخيش والبروش وجفاف وشجيرات المسكيت. الا أنني رأيت مدينة او ضاحية تتبع لمدينة كسلا فى اخر زيارة فى عام ٢٠١٢. بين عامى ١٩٨٥ و ١٩٩٢ وصل تعداد الاريتريين الرسمى فى تلك المعسكرات الى ٣١٠ الف وصل عدد المسلمين منهم الى ٩٠ بالمائة حسب إحصائيات معتمدية اللاجئين السودانية. اثر الآلاف منهم الاستقرار فى السودان خاصة فى مدن كسلا وبورسودان والقضارف. وأعطاهم القانون حق التجنس بالجنسية السودانية ومنهم من ولد فى السودان بالطبع وتجنس بالميلاد. وتزاوجوا مع السودانيين فى السودان والخليج وأوربا وامريكا. هناك من يرى ان اكتساب الاريتريين للجنسية السودانية واندماجهم فى المجتمع السودانى كان له تأثيرا سلبيا على القضية الاريترية. فقد فرضت عليهم النظرة العنصرية أعلاه بالسكوت عن أصولهم الاريترية وبالتالي ضعف دعمهم للنضال الإريتري . وان هذا التجنس ترك لاسياس افورقى الحرية فى التغول على أراضى الاريتريين فى مناطق المنخفضات الاريترية. بل وان هناك هجرات منظمة من سكان المرتفعات للاستقرار فى المنخفضات الاريترية وبالتالي طمس الهوية الاريترية المسلمة. ثم استفاد منه فى اقصاءهم من حق استخراج البطاقة والجنسية الاريترية بعد التحرير وبفرض ضرائب على الدخل الاريتريين من حملة الجوازات الاجنبية باستثناء متجنسى السودان. واصبح كل من لايملك البطاقة الاريترية لا يستطيع التعامل مع السلطات فى أي تعاملات خدمية. لكن فى رأيي ان تجنس الاريتريين فى البداية حق كفله لهم القانون السودانى ولم يكن يعنى التخلى عن هويتهم الاريترية. الا ان ترحيب الشعب السودانى والتداخل بين قبائل المنطقة وعدم اختلاف ثقافاتها وعاداتها كثيراً كان له اثر فاعل فى تسودن الاريتريين. خاصة الذين ولدوا ونشاءوا ودرسوا وعملوا بالسودان. هؤلاء لايقلوا سودانية عن التشاديين او المصريين الذين استقروا فى السودان واكتسبوا جنسيته. لعب هؤلاء السودانيين ذوي الأصول الاريترية دوراً مهما و فاعلاً فى دعم مسيرة النضال والكفاح الإريتري . فأتاحت لهم سودانيتهم مساحة أكبر فى الحركة والحماية لفتح منازلهم للعمل السري وتنسيق العمل بين مدن السودان الشرقية وإدارة عمل استخباراتى للتحركات الإثيوبية والاريترية منذ بداية الكفاح المسلح وحتى الان افورقى والبشير تعاون الديكتاتوريتان لقمع شعبيهما المتابع لتطور العلاقات بين البشير وافورقى يجدها قد تأرجحت بين الصداقة والعداوة ليس من منطلق تطوير العلاقات الراسخة بين شعوب المنطقة بل من اجل استمرارية بقاء البشير وافورقى على مقعد السلطة. فى ذات الوقت لعب هذا الشد والجذب فى علاقة البشير واسياس دورا مهما فى تشكيل الخارطة السياسة خاصة على الساحة السودانية. هناك العديد من المصادر والمراجع التى أرخت لتطورات العلاقة بين البلدين قبل وبعد استقلال إريتريا عن جارتها إثيوبيا. من بين هذه المراجع كتاب صدر لأستاذى الجليل عابدين عبد الصبور بعنوان اريتريا والسودان - تطور العلاقات الاستراتيجية والذى ورد فيه ان السودان كشعب قدم دعماً غير محدود للشعب الإريتري ولقادة حركات التحرير الاريترية. وهو ما يحفظه كل القادة الاريتيين للسودان ومن بينهم اسياس افورقى والذي أصر على زيارة مناطق محددة فى بورسودان وكسلا خلال زيارته الأخيرة للإقليم الشرقى. هذا المناطق والمدن ارتبطت ارتباطا تاريخيا ووجدانينا لدى الاريتيين قادة وشعبا. استبشر كثير من الاريترين بوصول الانقاذ للسلطة خاصت الاريترين من سكان المنخفضات . وزادت فرحتهم بعد سنوات معدودات بتحرير إريتريا بقيادة افورقى والجبهة الشعبية . وشاركت قوات الجبهة الشعبية الجيش السودانى فى معارك عسكرية فى محيط الكرمك ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان . ثم ركب العديد من الاريتيين موجة الانقاذ الإسلامية الجهادية. خاصة بعد سياسة اسياس افورقى الاقصاءية لسكان المنخفضات والانفراد بالسلطة وتهميش لغات أهل المنخفضات ومعتقداتهم . فظهرت حركة الجهاد الإريتري بدعم من الشيخ حسن الترابي وحكومته حكومة الانقاذ. . الا أنها تراجعت عن هذا الدعم وسلمت العديد من قادة الجهاد الاريترى لاسياس افورقى الذى أودعهم السجون لسنوات عديدة. رغما عن ذلك انضم الآلاف من الاريتريين لمسيرة الجهاد السودانى وشاركوا فى الحروب الدائرة فى جنوب وغرب وشرق السودان فقد كان عشمهم فى الانقاذ كبيرا لإسقاط حكومة افورقى لم يقف اسياس افورقى مكتوف الايدى أمام تهديدات الانقاذ لازالت حكمه من قبل المعارضة الاريترية ودعم حكومة الانقاذ. فقد رحب افورقى بكل أطياف المعارضة السودانية من جنوبية وشمالية وشرقية ودارفورية. وفتحت إريتريا أرضها لقواعد ومعسكرات المعارضة المسلحة وقدمت دعما عسكريا وماديا غير محدود فى سبيل إسقاط الترابي والبشير. وصار لواء السودان الجديد بقيادة عبد العزيز ادم الحلو مقره هيكوته . وامتلأت فنادق أسمرة بممثلي المعارضة السودانية. وصارت اسمرا قبلة المعارضة السودانية وطلعت منها المقررات والاتفاقيات . وقصدها زعيم حزب الأمة بتويوتا لاند كروزر للالتحاق بركب المعارضة السودانية. كان فى اعتقاد اسياس افورقى ان عام ١٩٩٦ هو عام القضاء على سلطة الانقاذ فى الخرطوم فقد حشدت اسمراء الآلاف من قوات الحركة الشعبية (لواء السودان الجديد) وقوات التحالف السودانية ومقاتلي حزب الأمة والاتحاد الديمقراطى تساندها دبابات ومخابرات وجنود الجبهة الشعبية الاريترية للانطلاق من شرق السودان الى الخرطوم. وقف العديد من"السودراتريين" بجانب الانقاذ فى الدفاع عن الجبهة الشرقية بحكم معارضتهم لافورقى ومنهم بالطبع من هو سودانى المولد وله ولاءه السياسى والوطني حتى لانبخس الناس أشياءهم كان لتواجد الحركة الشعبية على حدود السودان الشرقية مع إريتريا وداخل إريتريا دورا مهماً فى الوصول الى اتفاقية السلام الشامل بعد تنصل الحركة الشعبية من المعارضة الشمالية. ولكن هذا لم يكن فى حسابات اسياس افورقى والذى كان هدفه إسقاط نظام البشير وبناء تحالف جديد مع حكومة السودان فى الخرطوم بقياده المعارضة السودانية والذي صرف عليها الأموال والعتاد. بل كان يطمح حتى فى تعويضه عن كل ما صرفه خلال طيلة تواجد المعارضة السودانية على تراب وفنادق إريتريا . لم يخف اسياس افورقى عدم رضاءوه لانفصال الجنوب عن الشمال فقد صرح بذلك فى العديد من اللقاءات التى أجريت معه. الا انه اعلن أيضاً احترامه لخيار أهل الجنوب ومباركة حكومة الانقاذ وما أتت به اتفاقية السلام الشامل التى وقع عليها حلفاءوه هنا وجد افورقى نفسه امام وضع جديد فرض عليه التعامل معه للمحافظة على مقعده فى اسمرا. كما كان لبعض الأحداث الإقليمية الأخرى فى المحيط الإريتري تأثيرا مباشرا على تغيير جذري فى تحسن العلاقات بين افورقى والبشير. ليس هنا مجال لرشح هذا الأحداث وتأثيرها على العلاقات بين السودان وإريتريا ولكن نذكر منها على على سبيل المثال الحرب الإثيوبية - الاريترية فى بادمى ، تدخل الجيش الاثيوبى فى الصومال وسيطرته على مقديشو ومن ثم دخول إريتريا فى الصراع الصومالى الاثيوبى، المقاطعة المفروضة على إريتريا من الدول الغربية وتقارب المصالح الإثيوبية - السودانية. انفصال الجنوب ووصول الحركة الشعبية للخرطوم وبعدها الى جوبا أستوجب على اسمرا إعادة بناء علاقاتها مع الخرطوم وجوبا على أساس المصالح المشتركة والديون القديمة وفتح نافذة مهمة عن طريق السودان وجنوب السودان. لذلك كانت إريتريا من بين أوائل الدول التى اعترفت بميلاد دولة جنوب السودان وفتحت لها سفارة فى جوبا على بعد أمتار من سفارة الجارة العدوة إثيوبيا. هذا الانفتاح وتحسن العلاقات مع البلدين، السودان وجنوب السودان، ساعد على هجرة وتدفق الآلاف من الشباب الاريترى على السودان وجنوب السودان هرباً من انعدام هامش الحرية وسوء الأوضاع الاقتصادية فى إريتريا . ساعد على ذلك تحسن الأوضاع الاقتصادية فى السودان بسبب عائدات النفط ووقف الحرب فى جنوب . السودان وتوفر فرص الاستثمار فى الدولة الجديدة خاصة فى قطاع الفندقة والتشيد فى مدن الجنوب. وجد اسياس متنفسا فى تحسن العلاقات مع السودان من خلال فرص التبادل التجاري والتى اثمرت بتشيد طريق يربط كسلا مع تسنى. وتخلص من وقود الثورة على نظامه بفتح باب الهجرة للشباب. اما من تبقى منهم فقد تم تجنيده غصباً وعنوة. وكل من يقبض عليه على الحدود السودانية وهو فى رحلة الهروب يرسل الى معسكرات التجنيد ويبتذ أهله، ان كان له أهل فى المهجر، بدفع غرامة عالية تدفع بالعملة الصعبة ثمنا لإطلاق سراحه. هنا ظهرت ظاهرة جديدة لم تكن معروفة فى السابق فى علاقات الجوار بين البلدين وهي ظاهرة التجارة فى البشر بدلا من تجارة تهريب البضائع. وهى تحدث تحت سمع وبصر السلطات الأمنية فى البلدين فى ظل الفساد وغياب العدالة . ومثلما تحسنت العلاقات التجارية فقد تحسنت ايضا العلاقات الأمنية والمخابراتية والعسكرية. وانتشر أفراد المخابرات الاريترية فى جميع مدن وارياف الإقليم الشرقي لتعقب ومطاردة قادة المعارضة الاريترية بالخطف والقتل. هذا التواجد الامنى الإريتري المكثف، والذى يتم التنسيق له على أعلى مستوى للسلطات الأمنية فى البلدين، ازعج وجود المعارضة الاريترية وارغمها على الاحتماء بعدوها التاريخي إثيوبيا بعد تخلى حليفها الاستراتيجى السودان عنها. واصبح تواجد المعارضة الاريترية فى أديس أبابا يثير جدلا واسعا حول مصداقية ووطنية وكفاءة المعارضة فى إسقاط النظام الإريتري . الا انها أصبحت هى الخيار الوحيد المتاح للمعارضة الاريترية بعد تحسن علاقات البشير مع اسياس ويبقى السؤال إذا تقارب نظام البشير وافورقى بعد عداوات ومرارات طويلة وبعد طردهم عناصر المعارضة السودانية والإريترية ، لماذا لا تعيد قوي المعارضة فى البلدين حساباتها وتفتح ايضا صفحة للتعاون من اجل تحسين الأوضاع فى البلدين وأحداث المرتجى؟ ام لا تريد المعارضة السودانية استعداء افورقى والذي قدم لها دعم غير محدود لإسقاط غريمه البشير؟ وهل فقدت المعارضة الارترية مستندة الشعب السودانى تحت حكم البشير ام لا تثق فى التعامل مع المعارضة السودانية لتستجير بعدوها التاريخي إثيوبيا؟ انها لعبة المصالح النفعية الضيقة التى يمارسها البشير وافورقى. لذلك يستوجب على القوي التى تعمل لتحقيق العدالة والديمقراطية والحرية ان تنظر الى ابعد من إسقاط النظامين وتبدأ حواراً جادا لإعادة الهدوء والاستقرار فى منطقة يهددها هشاشة البيئة الطبيعية والتجارة فى البشر وظهور غبن بين بعض القبائل المتداخلة فى المنطقة. يجب على من يعارضوا النظامين ان يعلنوا موقفهم واضحاً من ديكتاتورية اسياس والبشير وعدم التعامل معها ويتجنبوا الوقوع فى الخطاء مرة ثانية. فنظام الانقاذ نظام متهالك واسياس يعانى من عزلة دولية ومحلية وإقليمية سوف تؤدى به حتما الى الزوال . والباقى هو الشعب السودانى والشعب الإريتري والعلاقات المتجذرة والتداخل الطبيعي بينهم