6th of April 1985 in Sudan

6th of April 1985 in Sudan

سودانيات

سودانيات هو منبري لمناقشة ومعالجة قضايا السودان مع السودانيين ومن هو قادر على فهم اللغة العربية. وما أطرحه من رأى على هذا المنبر هو رأى أنا شخصيا لايمكن أن يحاسب عليه أحد آخر. أما مبادئ المنبر فإنها تقوم على حرية الرأى،إحترام الرأى الآخر، الموضوعية، تحرى الدقة وتقصى الحقائق.

الثلاثاء، 2 أبريل 2013

من ذاكرة التاريخ : الانتفاضة فى مدني : واحداث اعتـقا ل عربة البـروفـسير عثما ن كشـومة:عادل علي صالحمن ذاكرة التاريخ : الانتفاضة فى مدني : واحداث اعتـقا ل عربة البـروفـسير عثما ن كشـومة:عادل علي صالح

مقـدمـة لا بد من لمجة تاريخية خاطفة عن الارض السياسية التى تفجرت فيها الانتفاضة ،وعن كنتور طبيعة تضاريسها ، والبيئة التى عايشتها ، وعن المناخ الحياتي الذي اثر وارتبط ارتباطا وثيقا بحياة كل الناس . النضال ضد دكتاتورية نميري هو فعل تراكمي ، منذ استيلائه على السلطة فى مايو 1969 وسقوطه فى ابريل 1985. الانتفاضة ، بدأت تتبلور وتتشكل فى مخيلة الوعي الوطني ، منذ اعلان سيئة الذكر قوانين سبتمبر 1983 ، وبداية الكفاح المسلح فى الجنوب ، الذي قادته الحركة الشعبية لتحرير السودان . مرجل الغضب الشعبي وصل قمته عند تنفيذ حكم الاعدام على الاستاذ الشهيد محمود محمد طه في 18 يناير 1985. فكانت نقطة الا عـودة للمـد الثوري ضد حكم الطاغية. كان ذلك السبب الرئيسي لتكوين التجمع النقابي فى الخرطوم بعد ان سـيطـرت القوى الوطنية على اتحاد طلاب جامعة الخرطوم ( رفض طلاب حزب الامة المشاركة فى التحالف لوجود الشيوعيين ؟) . وفى ذات الوقت فاز تحالف القوى الوطنية بمقاعد اتحاد طلاب جامعة امدرمان الاسلامية . وفي مدني انفرد مؤتمر الطلاب المستقلين بمقاعد اتحاد طلاب جامعة الجزيرة . دانت السيطرة للقوى الوطنية الطلابية متحالفة ، ومؤتمر الطلاب المستقلين منفردا على معظم الاتحادات بمؤسسات التعليم العالي . في ذات الوقت كانت جماعات الهوس الديني ، الاخوان المسلمين بمختلف مسمياتهم ، يبايعـون الدكتاتور السفاح ويحتفـلون بتنصيبه امـاما للمسلمين . احزاب اخرى معلومة تجلـس قياداتها ، على مقاعد مبطنة بدماء انصارهم ، فى اللجنة المركزية للحزب الحاكم الاتحاد الاشتراكي ، بعد ان ادوا قسم الولاء للتنظيم القائد؟ . فى هذه الفوضي كان السودان يدور في اخر ايام نميري ، من حيث انفجرت الانتفاضة عـشــــية الانتفاضــة المجيــــدة: الزمان ... الجمعـة ... الخـامس من ابرايل 1985 . المكان... مدينة ودمدنى... المدينة الجامعية .. ( النشيشيبة ) .. جامعة الجزيرة تقع على الطرف الشمالي خارج حدود المدينة القديمة ... يحدها من الجنوب طريق مدنى القضارف المؤدى الى كبرى حنتوب ومن الغرب طريق مدنى الخرطوم .. ومن الشرق النيل الازرق ومن الشمال قرية عــترة. دُغُـش صباح ذلك اليوم ...افـقـه يعــبق برائحة دعا ش الثورة التى ســتمـطر بعد حـين على سـوداننا .. الذي لم يهـن يوما علينا .. كما تغنى وردي ... اما بالنسبة لاهـل مايو وســدنتها لم تكن افـق الخـرطوم لتتشـح بذلك الاكفهرار الذي ينذر بهـبوب العاصفة ! ، التي سـوف تـدك حصون الدكتاتورية ... كانت بــوادر خريـف الديمقراطـية فى السودان .. مـترع اوديـة ارضنا اليـباب وسهوله ماءَ وخضرة... بالنسبة لنا ممثلى اتحاد طلاب جامعة الجزيرة .. اتحاد مؤتمر الطلاب المسـتقلين فى التجمع النقابى ( تحت الارض ) والذي كان لنا شرف الدعوة لتكوينه .. الماجد طارق الشيخ الطيب رئيس الاتحاد ، الماجد مرتضى كمال خلف الله السكرتير الاكاديمي ، عادل على صالح سكرتير العلاقات الخارجـية . عبارة عن بداية يوم جديد نواصـل فيه العمل لاسقاط دكـتاتورية مايو . نتابع تنفــيـذ تكاليف اجتماع اليوم السابق .. والاستعداد بعمل الترتيبات الازمة لاجتماع اليوم .. الاجتماعات كانت مرتين فى اليوم وفي حالة انعقاد دائم فى ايام اخــر.. ( لاسـباب امـنية ) يحــدد مكان الاجتماع فى او قبل ساعة من انعـقـاده .. وفــق اجـراءات تحويطية معـينة مـتفق عــليها .. تحــــدد مـنزل كبير المهندسين عبدالحفيظ النور حسـن مكـاننا لانعقاد اجتماع اليوم الجمعة 5 ابريل . فى جامعة الجزيرة ، المدينة الجامعية ، النشيشيبة ،حـى الاســاتذة . لمن يصل عن طريق مدخله الشرقي ، يقـع على الناصية ، مع اول طريق فرعي ، يفـتح شمالا ، من الناحية المقابلة ، منزل الدكتور يحي بشير سراج ، المحاضر بكلية العلوم الزراعية و عضو نقابة الاسـاتذة بالجامعـة ويجاوره من الناحية الغـربية مـنزل البروفسـير عثمان على سيد احمد ( كشـومة ) ، المحاضر ورئيس قسم البساتين بكلية العلوم الزراعـية والى الشـرق الشارع المؤدي الى الحـي ، وعند تقاطعه مع الطريق المتجه غربا ، يوجد ( كـشـك الخـفير) او حارس الحـي ، ومن ثــــم فسحــة ميـدان واســع ، يمكن ان تري داخليات الطالبات على حـواف اطرافه الشرقية . انجزنا كل المهام التي كلفنا بها ، فى اجـزاء مختلفة من المدينة ... لتغطية نشاطاتنا ، وتمويه رجالات الامن ، كنا نستعمل اكثر من سيارة فى اليوم الواحد ... هذه السـيارات ( العربات) مملوكة لافراد من ابناء هذا الشعب لم يتوانوا فى اللحظات الحرجة ولم ينكسروا رغم القـمع والاعتقال والتضييق الذي تمارسـه اجهزة امـن السلطة ، فى سبيل دعم الحـرية والديمقراطية .. كانوا كراما يبذلون ممتلكاتهم الخاصـة فى نصـرة الحـق الوطني . الحصـول والوصول الى هــذه السيارات لم يكن بالمهمة السهلة بل تحتاج الى حرص محسوب.. على سبيل المثال ... ياتي شخص لا نعرفه فى ( بيت التامين ) ..وهو المكان الذي ندخـله لنقضي فيه الثلث الاخير من الليل ونغادره عقـب اذان وصلاة الصبح . ويلقى علينا السلام ب كـود متفق عليه ( كلمة السر ) ويسلمنا معلومـات عن مكان السيارة وموضع المفتاح .. في معظم الاحـوال يكونا فى موضعين مختلفين ... المفتاح يوجد فى موضـع معـين فى شــارع عـام معلوم ، السيارة نفسها فى مكان بشارع اخـر ... وحتى لحظـة كتابة هذه السطور .. اي ما يقارب الثلاثين عاما لم يتسنى لنا شرف معرفة معظم هؤلاء الابطال السودانين .. فلهم التحايا الوطنية على نبلهم وشجاعتهم . وبنفس القدر كانت بيوت اهـالى المدينة مفتوحة ابوابها فـهُم فضيلة الكـرم والشهامـة و الجـود ، هذا اقل ما يمكن ان نقول عنهم في هذه العجالة .. نـدخلها فى اواخــر الليل ، نسـترق الحظات لغـفـوة قريرة ، وننهض مع اذان الفجر . فى معظم الاحوال ... لا نرى احـدا من اهــل الدار . وكنا مضطرين ان لا نقضي ليلتين فى مكان واحد ، حسب ترتيبات السلامة ولتامين . هكذا مضى بنا الزمن منذ اغلاق الجامعة فى 31 مارس وحتى انبلاج فجر الثورة فى 6 ابريل 1985. وصلنا الى منزل كبير المهندسين عبدالحفيظ النور فى تمام الساعة الواحـدة بعد الظهر . وجدنا بالمنزل ، كل من البروفسير عثمان فضل (عميد كلية العلوم الزراعية ) ، الدكتور محمود عبدالله ( عميد الطلاب ) ، الدكتور يحي بشير ســـراج ، والبروفسير عثمان كشومة و المهنـدس عـادل سـليمان . توافــد الاعضاء ممثلى النقابات الدكتور محمد فراج ( الاطباء) ، المهندس محمد السنى ( المهندسين ) الاستاذ مجدى سليم ) المحامين ) ، الاستاذ جعفر عبدالرازق ( الهيئة القضائية) . السيد عبدالمنعم رحمــة ، السيد محمد الحسن ( عمال نسيج النيل الازرق) . الاستاذ عبدالعزيز عبدالمنعم ( الزراعيين ) الاستاذ عبدالرحمن حامد ( الضباط الاداريين ) و السيد محمد على رستم ( مشرف مشاتل جامعة الجزيرة).. واخريين (ارجو المعذرة ممن فاتني ذكر اسمائهم..). كانت اجندة الاجتماع هـي التحضير للمسيرة الكبرى يوم الغـد السبت 6 ابريل ، وكان الاعــداد يجري بالتنسيق مع التجمع النقابي في الخرطوم لتتزامن مع المسيرة التى تقرر ان تكون فى نفس اليوم والزمان هناك .. كانت مهمة كتـابة كل بيانات التجمع ونقـاباته ، مكلف بها الاستاذ مجـــدى ســليم المحامي ، والماجد طارق الشيخ . وكانت مهمة طباعة البيانات على الالة الكاتبة وتوزيعها على المراكز .. مسؤولية الماجد مرتضى كمال ، وعادل علي صالح ومن ثم يشارك بعض الحضور فى تشغيل مكنت الرونيو ، وترتيب البيانات ... كانت الالة الكاتبة ومكنت الرونيو لاتفارقنا ابدا ، كنا ننقلها معنا فى ( ضهرية ) العربات تحـت جنح الظلام من مكان الى اخـر ومن عربة الى اخـرى. رحم الله البروفسير الانسان الطيب على الحاج المشرف الادراى لكلية العلوم الزراعية والذى كان لتعاونه وموقفه الوطنى الصادق الفضـل الكـبير في تسـهيل مهمة الوصـول الى مكـنة الرونيـو الخاصــة بالكلـية ، وسماحه باستخدامها ، فقــد كانت الوســيلة الـوحــيدة التى استطاع التجــمع من خلالها ، التواصــل مع جماهير مدينة ودمــدنى عبر المنشورات المطبوعة عليها . فى حوالى الساعة السادسة مساء ، بعد انتهاء الاجتماع وبعد الفراغ من نســـخ وطباعة البيانات لكل النقابات المكونة للتجمــع . كانت مهمتنا تنظيم توزيع تلك البيانات لممثلى النقابات فى الاحيــاء ، وبعض الافراد الناشـطيين فى المدينة ، وبدورهم يوزعـونها عـلى حسب الخطــة الموضوعة... كان علينا التحفظ العالي حتى لا تتعرض ثورة الجماهير في مهدها لهفوات انتكاسية قد تعرقل سيرها فى زحـفها الصاعد .. وسـيلتنا للتنقــل هذه المرة .. سـيارة البروفســــير عثمـان على سـيداحمد ( كشـومة ) .. وكما هو العهـد به لم يتردد .. بل بادر بان سيارته جاهـزة ومليانة بنزين . بالفعل .. اخـذ مرتضى المفتاح ورافـقه طارق وشخصي واكملنا المهمة بنجاح وتمكنا من تسليم بعض البيانات الى الاشخاص المنوط بهم ذلك . مثلا ، هنالك تاجــر ، صاحب دكان فى حـي بانت ، كان يمثل مركز توزيع رئيسي ، لبعض النقابات مثل عمال المؤسسة الفرعية لاعمال الري ، و نقابة البحوث الزراعية ، والعاملين بشركة مواصلات الجزيرة، والعاملين بالمدبغـة الحكومية ، ولبعض الناشطين فى ذلك الحي لـيتم نشرها بين السكان . كما تركنا الجزء الاخــر من المنشورات فى مواقع ونقاط محــددة فى ( حـتات) مثلا بالقرب من عمود فى طرف الشارع ، او عند مدخل المستشفى او تحت صندوق فى السوق وهكذا ، لمنـاديب النقابات الذين ســوف يحضروا فى وقت لاحــق لاخــذهـا. قررنا ان نعود الى النشيشيبة لاخــذ مكنة الرونيو وتسليم البروفسير كشومة سـيارته . تبقت لنا وقفتان الاولى منزل زملينا محمد الامين الجعلي ( الدفعة الاولى طـب) فى حي بانت ، وان نترك طارق هناك ، ليمر بـه المهندس محمد السني ويذهبا سـويا لمقابلة السيد صالح عوضة فى مدبغـة الجزيرة ، لتنفيذ بعض المهام . والوقفة الثانية كانت لمقابلة عبدالعزيز عبدالمنعم فى نقطة بالقرب من منزله لتسليمه المنشورات الخاصة بالزراعيين وقـد كان . جرت العادة ، كضرورة تامينيه ، تتطلب الكثير من اليقظة ، تملى التصرف بحيطة وحذر . لا نسلك طريق سير مباشر او ثابت ، خطوط السير شوارعا متعددة ودروب متعرجة غير مباشرة .. نغير اتجاهات حركتنا كثيرا.. حتى نتاكد من اننا غير ملاحقين او مرصودين من قبل اجهزة الامن .. يرجع الفضل للمهندس محمد السني ، ممثل نقابة مهندسي الري .. خبير التامين السياسي الذي اسـتفدنا منه فـائدة لا يمكن ان نعلمها من دونه . حوالى الساعة العاشرة مسـاء تقريبا .. وصلنا الى منزل المهندس عبدالحفيظ النور عائدين من ود مدنى ، وبمجــرد وقــوف العـربة ، امــام المنـزل نزلت لفتـح البوابة .. اصابتنا الدهشة والحيرة ورفعت علامات التعجب .. لان الاتفاق ، البوابة سوف تبقى مفتوحـة حتى نرجع ؟ وقفلها هو كلمة السر ، واعلان نجاح مهمتنا ؟؟ . منازل الاساتذة بالجامعة كان سـورها الخارجي من الاشــجار وابوابها الخارجية واسعـة وقصيرة مصنوعة من الحديد ( الشبك ) يمكن ان ترى من خلالها بوضوح باحـة المنزل وحديقته الامامية ، وتستعمل ايضا مدخـل للسيارات .. اذا بصــوت خفيض ينادي عادل ، مرتضي .. كان مصدره من اتجاه منزل الدكتور يحي بشير ســراج ؟ .. وكما ذكرت في مرة سابقة ، هو المنزل المجاور فى الواجهة المقابلة .. يفصل بينهما شــارع مسفلت ضيق .... خببت فى اتجاه المنزل وجـدته عند البوابة من الداخـل . نبهني الى ان ( نتصرف ) بسرعة لان قوة من الامن داهمت المنزل واعـتقـلت كل من فيه فى ذلك الوقت المهندس عبدالحفيظ النور والمهندس عادل سليمان ودكتور كشومة وصـادروا مكنت الرونيو . والامن يراقـب المنزل ، من كشك الخفير . عدت سريعا .. طلبت من مرتضى ، ان ( يدور ) وعلينا مغادرة المكان فـورا ، اخبرته بكلام الدكتور ، واضفت ان علينا التصرف باسرع فرصة والتخلص فى الاول من السيارة ، لانها معروفـة لدى جهاز الامن . وبمجرد خروجنا من حـى الاسـاتذة .. وعند اللفـة قبيل دار الاتحـاد والنشاط الطلابي انتبه مرتضى الى ان هنالك موتر سايكل وعربة تايوتا (بوكس) ، بالقرب من داخلية الطالبات .. وبعد مــدة مـن تجاوزنا مباني الكليات في طريقنا الى خارج المدينة الجامعية ، تراءت حركة انوار السيارة والمـوتر سايكل من على البعـد من خلال الظلام الكثيف .. زاد مرتضى من سرعة السيارة ، انطلقنا شـرقا فى طريق مدني – القضارف ومن ثم اتجهنا جنـوبا بشارع الدباغـة وانوار السيارة والموتر سايكل تقـترب .. انحرف مرتضى يمينا ناحية سينما رودي.. لاحظت توقف السيارة البوكس على شارع الدباغة بينما ظل الموتر فى متابعتنا .. ثم فى اول طريق بعد السينما اخذنا يسار ، واستمرينا على نفس المنوال ، ناخــذ يمين ثم نرجع شمال .. لا ندري وجهـتنا . فجأة اخـتفى الموتر من متابعتنا ولم يبقى له اثر . لم نكن نلم بتفاصيل شوارع وازقة الاحياء الداخلية ... بالصدفـة وحـدها وجدنا انفسنا مرة اخري فى شارع الدباغـة عند لـفة حي المدنيين .. ثم واصلنا سيرنا فى اتجاه شارع النيل . انحرفنا الى اليسار عند المدرسة الاميرية لندخل حي ام سويقـو ، وعدنا مرة اخري الى شارع النيل مـرور بمباني رئاسـة حكومة الاقليم الاوسط ، هنا ظهر الموتر مرة اخرى يتعقبنا ، انحرف مرتضى جنوبا بشارع الجمهورية المؤدي الى السوق الكبير . الموتر مازال يلاحقنا . ومرتضى يزيد من السرعة .. بالمناسبة هى سيارة تايوتا كرونا صالون اربعة ابواب .. وعند مكتبة الفجر وركن حديقة وقيع الله ، فجاة غير مرتضى الاتجاه ونحرف يسارا ، ثم انحرف يمين على شارع اتجاه واحد جنوبا . كانت الساعـة تشير الى الحادية عشر والربع مساء.. السوق خالى تماما من اى حركة للافراد او السيارات ما عـدا حركة بسيطة عند موقف المواصلات . وقبل ان نصل الى تقاطع شارع المستشفى اختفى الموتر مرة ثانية ، عندها غيرنا اتجاه السير ، بدلا من دخول المستشفى ، اتجهنا غربا بشارع الدكاترة ... لمنزل احد الاقارب فى ذات المنطقة ، عـلى امل ان يكون الوقت فى صالحنا ونتمكن من اخـفاء السيارة فى منزلهم .. ولكن هيهات لم يكن احد بالمنزل ..وهنا تمكن الموتر من رؤيتنا بعد ان تجاوز الشارع غـفل راجعا .. وبدات المطاردة من جــديدا .. واصلنا هذه المرة بشارع المستشفى شرقا .. ثم يمـينا بشارع (مايو) متجاوزين ســجن مـدنى العمومى ورئاســـة جهـاز الامـن ... وبعد قليل ظهرت ســيارة تايـوتا بوكس اخــرى بالاضافة الي الموتر ... فى حى مايـو فـؤجـــئنا بان الطريق مقفـول امــامنا تماما .. بواسطة ســيارتى تايوتا (بوكس) ، ووقوف خمسة افراد فى منتصف الطريق . والسيارة البوكس والموتر يضيقـان علينا .. اخـذ مرتضى فى تخفيض السرعة , والسيارة تبطئ .. لاحظنا ان هنالك حـفل فى احدى البيوت الفاتحة على الشارع ، فما كان من مرتضى الا ان انحرف فجأة وبسـرعة نحـو ( صيوان ) المناسبة ، تابعتنا السيارة البوكس والموتر سايكل وقفوا بجانب سيارتنا . كنا قـد غادرناها مســرعين الى داخـل ( الصيوان ) ، ترجل ثلاثة افراد للحـاق بنا .. فـنان يصـدح .. حـلــقـة رقـيص (عجاجتا فــوق ) .. هـيئاتنا تـدل على اننا ( الخـطأ ) فى المكان الصــحيـح ؟؟ نتــلفـت ذات اليمن وذات اليسار .. ومرة حول نفسنا.. وبطــرف العـين.. نحاول نسـرق الصــورة الورانا ؟؟ . كانت كل امالنا معلقــة على ان ( نعــتر ) فى واحــد من طلاب الجامعة .. عسي ان يتمكن من مساعدتنا.. ونستطيع ان نتـدبر المخـــارجــة . لســوء حظنا لم نجـد اي من طلبة الجامعة او اي من المعارف فى تلك اللحظـة .. نتحاور في ما بيننا ماذا نفعل .. وما هي الخطة .. واحد من افرد الامن يتحرك ناحيتنا ، حتى صار على مقربة ..وبكل غضب ، قال بيده هكذا ، أي ( اصبروا او انتظروا) ، وظل يكررها ، متى ما التفتنا ناحيته .؟؟. كنا نتكلم بصوت شوية عالى حتى نتمكن من سماع بعضنا البعض صوت الفنان وفرقته ومكبرات الصوت كانت صاخبة ومزعجـة ؟؟ على كل حال .. ما ان يتحرك رجال الامن ناحيتنا .. ( نفـج) طريقنا فى الزحام ( لي قـدام) نحـو الصفوف الامامية .. منظــرنا لفت انتباه بعض الحضور ؟؟ فى لحظ محـددة اتفقنا على ان نفترق فى محاولة لتشتيت افراد الامـن ، واذا تمكنوا من اعتقال اي منا او كلنا .. اكدنا على ضرورة تنفيـذ استراتيجية كيفية التعامل مع الاستجواب والتحقيق ومقاومته ... كنا قد تدربنا واعدينا انفسنا تمام الاعداد لتقبل هذا الاحتمال فى تلك اللحظـة يظهر .. ملازم سـجون ( يعمل فى سجن مـدني ) نعـرفه ، هو الشـقيق الاصغر لزميلنا الطالب بكلية الطـب ، وقـد توثقت معرفـتنا به ، بواسطة صديق مشترك ، زميله فى العمل ودفعته الملازم ( ود حلتنا من بحرى) ... يرقص مـع مـجمـوعة من الشابات .. فما كان مني الا ان تقدمت نحــوه ..اندهش ، فاتحا عينيه بتساؤل ؟ ، لم اعـطه فرصـة سلمت عليه بالاحضان .. وهمست فى اذنه ، ناس الامن مطاردننا .. اجابني ، شايفهم ؟؟ ..تحدث الى الشابات بان يواصلن رقيصهن وان يبقين فى مكانهن حتى يرجع وذكرني بان اظل واقفا ونادى على مرتضي بيده ان يحضر .. واستاذن .. غاب لفترة قصيرة ثم رجـع .. واثناء التظاهر بالرقيص .. اوضح لنا ان الخطة جاهزة .. وهي ان نتحرك الى داخل المنزل ( منزل اهل العروس وهم اقرباؤه ) ، سوف تقابلنا الحاجـة فاطنـة ، لتحدثنا بالتفاصيل .. وما علينا الا التنفـيذ . واحـد تلو الاخر ( انسللنا ) الى داخل المنزل .. قابلتنا الحاجـة فاطنة بترحاب وعطف كبير.. يا اولادي اكلو حاجة .. شكلكم ( جعانيين ).. رغم الحاحها الا اننا شكرناها معتذرين ان علينا الذهاب...الحقيقة كنا جـياعـا ، فلم نذق طعاما خلال اليوم .. ما عـدا شاي الصباح ، والقيمات .. الذى تناولناه فى منزل زميلنا وصديقنا ، عبدالعظيم عبدالغني ( خريج الدفعة الاولى زراعة ) فى حي مائة واربعطاشر ، حي العمال الشوامخ ، حيث قضينا ليلتنا السابقة . على كل، فى تلك اللحظات لم نكن نفكر فى الاكل بقدر ما كنا نريد ان نعرف منها الخطة كما ذكر صديقنا (ملازم السجون ) ... وبالفعل وضحت لنا بعد ان اجلستنا على ( بنابر ) بالقرب من الطباخين والحلل والقدور الكبيرة ؟؟ .. اولا علينا ان ( ننط الحيطة دى لبيت الجيران ، ما تخافوا حاج عثمان عارف ، ومن هناك هو بيفتح ليكم الباب .. اجـروا على يدكم اليمين لحدي نهاية الشارع برضوا لفوا يمين .. وبعدين يمين .. البيت الثالث الفاتح على الشارع الرئيسي .. يعنى فى نفس شارعنا ده .. ده مـيز ضباط السـجون .. ادخلوا بتلقوا مضمــون اســمـوا ادم .. قولوا ليهو دايرين اوضــة ( النقيب صلاح ) ، وهاكم ده المفتاح الاداني ليهو صاحبكم ( ملازم السجن ) .. ) ( نطينا ) الحيطة ، حاولن بعض النسوة الموجودات فى الحوش .. الصياح او الصراخ لكنها ( قمعتهن وزجرتهن ) .. اســكـتن؟؟ . حاج عثمان اسـتقبلنا فى الجانب الاخر من الحيطة بتجهيز طربيزة حـديد ننزل عليها من علو الحائط .. شجعنا بكلام طيب ، ودعاء الله بنجاح نضالنا فى ازالة حكم الطغاة .. ثم فتح لينا الباب ، واعاد وصف خارطة الطريق الى بيت مـيز ضباط السجون ... وخرجنا .. واحـدا .. بعــد دقائق الاخر .. وصلنا الى المـيز .. وجـدنا ( المضمون ) ادم .. فتحنا غرفة النقيب صلاح ، دخلنا وقفل الباب .. اخبرنا بانه حارسنا ، تنفـيذا لتعليمات الملازم . ولن يسمح الى اي شخص بدخول (الاوضـة ) .. كانت الساعة الثانية صباحا ... لم نتحدث الى بعضنا اكثر من خمس دقائق تقريبا .. لنفـيق فجأة على صوت طرق على باب الغرفة .. فتحت الباب اذا هو صديقنا ( ملازم السجن ) ، والساعة تقريبا حوالى الثالثة وخمسة واربعون دقيقة ... يحمل معه بعض طعـام من طرف حاجـة فاطنة .. طعمية ، لحمة ، رغيف ، وفطائر .. حدثنا بان الحفـلة انتهت منذ قـليل ... ( وان ناس الامن بعـد ما قنعوا منكم .. حارسين العربية .. معتقلنها عديل ..) كما قال.. وطلب من مرتضى ان يعطيه المفتاح ، عسى ان يتمكن من تدبيـر وسـيلة ، او يخدمه الحظ لاخـذ السيارة .. حذرنا بان ( حدوا معانا الساعة خمسـة ).. ثم غفل راجعا من حيث اتى ... تفاكرنا فى كل السناريوهات المحتملة .. وكنا قلقين على مصير سيارة البروفسير كشومة ، خاصة مرتضى كان الاكثر قلقا وانزعاجا ، وظل يردد ان هذه امانة ولازم تسلم الى صاحبها فى الاول .. واذا كان فى قـبض ، احسن يقبضونا نحن بس العربية ترجع للـبروف... وانه حيطلع ويمشي للجماعة ديل .. ويحصل ما يحصل .. وبينما نحن فى هذه النقاشات ..عاد صديقنا ( ملازم السجن ) حوالى الساعة الخامسة والربع .. وهو يبتسم قال خلاص فـرجت .. بصوت واحد ردينا .. ادوك العربية .. اجاب .. لا ما قدرت اشيلها ... لكن عرفت من الضابط النبطشي فى السجن حاجات كويس ، اول حاجة جماعتكم القبضوهم امس جابوهم السجن ولموهم مع المعتقليين السياسيين التانيين .. وده خبر كويس جـدا لانو لو خلوهم لناس الامن كان بعذبوهم ( وبالفعل فقد تم تعذيبهم هناك كما عرفنا لاحقا ).. الحاجة التانية انو ناس الامن رفعوا ليهم الاستعداد اكثر من مائة فى المائة !! تسالنا كيف ؟ اجاب ، لما يرفعوا الاستعداد لدرجاته القصوى ما فى اذن لاي زول .. ولازم كل القوة تكون فى الخـدمة ، ويشكلوا حضور فى طابور التمام الساعة السادسة .. وده معناتو الجماعة الحارسين العربية لازم يرجعوا لرئاسة الامن... يبقى لازم ارجع اراقبهم وفى اللحظة البنصرفوا فيها بجيب العربية واجيكم بعدها تتخارجوا ودبروا امركم .. اتفقنا على كده .. عاد (ملازم السجن ) يقود سيارة البرف.. فى حوالى الساعة الخامسة واربعون دقيقة ... ودعناه وشكرناه بحرارة .. ونحن نستعد لمغادرة المكان .. حذرنا مرة اخرى من ان لا نحتفظ بالسيارة لمدة طويلة .. ويجب التخلص منها باسرع فرصة... تشـاورنا فى امرنا ووجدنا ان اسرع طريقة هي ان نذهب الى منزل صديقنا عبدالله عكود الطالب بالجامعة كلية العلوم والتكنولوجيا ... فى الطريق ناقشنا بعض البدائل ...في النهاية تمكنا من الوصول الى منزل المرحوم الدكتور حسن حسين النعيم مدير مستشفي الصدرية السابق ... فى الحي السـوداني وجـدنا ابنه خالد الطالب بكلية الهندسة جامعة الخرطوم ، وبالفعل اخفينا سيارة البروف داخل منزلهم ، ووفـر لنا خالد سيارة اخرى ، وقبل ان نتحرك حضر الدكتور حسن حسين من خارج المنزل ممسكا راديو ، خاطبنا ، انتو ما شين وين .. اجبنا ، للمشاركة فى المظاهرة التى اعددنا لها لتكون هذا الصباح .. قال تعالوا اقعــدوا اسمعوا الكلام ده... مـوسيقـى مارشات عسكرية تنطلق من الراديو .. ومـذيـع يعلن للمستمعين الكرام ، بان القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة سوف تذيـع عليكم بيانا هاما بعـد قـليل .. فترقبــوه؟؟ خـيم صمت مطبق على مجلسنا ما عـدى صوت المارشات العسكرية .. التى يقطعها صوت المذيـع ... يطلب منا ترقب البيان الهـام بعد قليل ..؟؟ استمر الحـال وعيوننا مسمرة على الراديو كاننا نشاهد تلفزيونا ... واذا بالمشير عبدالرحمن حسن سوار الذهب يعلن انحياز قوات شـعبنا المسلحة الى الجماهير .. استيلاء القوات المسلحة على السلطة .؟؟ واطـلاق ســراح عربية كشومة ؟؟ .. فجـأة ينتهي كل شي .. انهارت قلاع الديكتاورية فى لحظـات ...وهذه كانت لحظة بداية ونهاية ... بداية عهـد جديد، ونهاية عهد بغـيض . يا لهــا من اربع وعشـرون ساعة . البروفسير عثمان عـلي سيداحمد ( كشومة ) هـــو ســنام فخـرنا وهـــذه احـــدى مــآثره التى اكــرمه الله بها . نترحم على ارواح الذين فارقوا هذه الفانية الى دار البقاء ، من قيادات التجمع النقابي فى مدني .. الدكتور محمد فراج ،رئيس نقابة الاطباء ، الدكتور مدني احمد عيسي ، سكرتير نقابة الاطباء، السيد عبدالمنعم رحمة رئيس نقابة العاملين بمصنع نسيج النيل الازرق ، الدكتور محمد نورالدين حسين المحاضر بكلية الاقتصاد ( الحزب الناصرى) ، البروفسير صلاح طه المحاضر بكلية الطب ( نقابة الاساتذة) ..المهندس عبدالحفيظ النور ، والمهندس عادل سليمان اللهم ارحمهم نزلهم فسيح جناتك .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق