6th of April 1985 in Sudan

6th of April 1985 in Sudan

سودانيات

سودانيات هو منبري لمناقشة ومعالجة قضايا السودان مع السودانيين ومن هو قادر على فهم اللغة العربية. وما أطرحه من رأى على هذا المنبر هو رأى أنا شخصيا لايمكن أن يحاسب عليه أحد آخر. أما مبادئ المنبر فإنها تقوم على حرية الرأى،إحترام الرأى الآخر، الموضوعية، تحرى الدقة وتقصى الحقائق.

الخميس، 28 ديسمبر 2017

فرانكُوفُونِية دارفور

فرانكُوفُونِية دارفور

أسمحوا لى أن أستخدم مصطلح الفرانكوفونية بصورة تتعدي النطق بالفرنسية لتشمل التأثير السياسي والإجتماعي والإقتصادي الفرنسي على دارفور. من قراءة للتأريخ والأحداث والمؤشرات أعتقد أن دارفور ستكون هي الإمتداد الجديد للفرانكوفونية شرقا بسبب الحرب والنزوح والهجرة القسرية والدور الفرنسي فى هذا الإقليم. هذا المقال يحاول الإشارة للتحولات والسياسات فى المنطقة التى ربما يكون لها تأثيرا مستقبليا على دارفور وعلاقاتها بفرنسا وبفرانكوفونية غرب إفريقيا عموما.

تأريخيا وجغرافيا تعتبر الحدود الغربية لإقليم دارفور هى الفاصل بين أنجلوفونية وفرانكوفونية هذا الجزء من إفريقيا. فدولة تشاد وإفريقيا الوسطي والكونغو هى دول فرانكوفونية أما دارفور فبعد وقوعها تحت الوصاية التركية-المصرية ومن بعدها البريطانية أصبحت جزء من الأنجلوفونية. خلال المئة عام الماضية ظلت هذه المنطقة الحدودية محل صراع محلى وعالمى حتى يومنا هذا كانت فرنسا تمثل فيه أحد أطراف النزاع الدرافوري . فقد ساهم التدخل الفرنسي فى ذلك الوقت فى تقوية أمراء وشرتاي وممالك وأضعف آخرون منها إستسلام الأمير عربي دفع الله التعايشي، والذي طرده البلجيك من الإستوائية فى ١٨٩٧، للسلطان علي دينار بعد تقدم الفرنسيين من الغرب. أدت تلك النزاعات إلى محاولة إعادة ترسيم الحدود لإقليم دارفور فى عام ١٩٠٣ والتى إشارت لها الإتفاقية بين بريطانيا وفرنسا ١٨٩٩ للحدود بين دارفور فى السودان ووداي فى تشاد. رغم ذلك ظلت الحدود الغربية لدارفور محل نزاع سيادي بين دار مساليت، دارزغاوة، دارسيلا، دارقِمر ودارتامة. الآن تراقب الحدود قوة عسكرية مشتركة بين تشاد والسودان مع تناوب دوري في القيادة كل ستة شهور يتم ذلك تحت مساعدة ومراقبة القوة العسكرية الفرنسية المتواجدة فى شمال وشرق تشاد.
 
كان لفرنسا دورا كبيرا فى وضع دارفور فى دائرة الإهتمام الدولي. ففرنسا عضوا أساسيا وفاعلا فى مجموعة الإتصال التى تضم شركائها الأمريكان والبريطانيين من الجانب الفرانكوفونى الذين يحددون مصير هذا الجزء من العالم. فقد تقدمت هى وبريطانيا بمشروع القرار ١٧٦٩ فى يوليو ٢٠٠٧ والذي نص على إرسال قوة لحفظ السلام إلي دارفور وتكفلت فرنسا بدعم ٧٪ من تكلفة العملية والبالغ قيمتها ١.٣ مليار دولار فى السنة. قبلها دعمت فرنسا قوات حفظ السلام الإفريقية بمبلغ مئة مليون يورو بين الأعوام ٢٠٠٤ إلى ٢٠٠٧ كمساهمة لدفع مرتبات قوات حفظ السلام. ولتعزيز فرنسا قوتها الفرانكفونية فى دارفور، ساهمت فى تدريب جنود السنغال وبوركينا فاسو المشاركة فى قوة حفظ السلام الإفريقية فى دارفور للإستفادة منهم فى مهام عسكرية أخري فى دول الساحل الفرانكفونية.

بعد حوالي شهرين فقط من إصدار ذلك القرار سعت فرنسا ايضا لأصدار قرار أممي آخر يعزز وجودها فى المنطقة الحدودية. سمح القرار ١٧٧٨ بتاريخ ٢٥ سبتمبر ٢٠٠٧ بوجود دولي (قوات اليوفور) فى شرق تشاد وشمال جمهورية أفريقيا الوسطي لعبت فيه فرنسا الدوري العسكري الأكبر. فى مارس ٢٠٠٨ نجحت فرنسا ومن خلال إتفاق بين السودان وتشاد عُقد فى داكار فى أن تكون مراقبا لما يحدث فى المنطقة من خلال لجنة الإتصال المنبثقة عن الإتفاق. وفرنسا على علم تام بتفاصيل جغرافية وجيولوجية دارفور أكثر من السودانيين أنفسهم. ففى فبراير ٢٠١٧ سلمت فرنسا السودان وثائق جيولوجية من هيئة الإبحاث الجيولوجية الفرنسية فيما سمى "بالمشروع الفرنسي" والمتعلق بتخريط الأراضي السودانية. علاقة فرنسا مع السودان طيلة الثمانية وعشرون عاما الماضية كانت علاقة مصالح إستراتيجية بالنسبة للأولي وتكتيكية بالنسبة للثانية. ففرنسا هي حامية المصالح الأوربية فى إفريقيا الفرانكوفونية يهمها إستقرار الحدود الشرقية والتى أصبح السلام والإستقرار فيها يهدده النزاع المسلح فى دارفور. السودان من جانبه قدم لفرنسا كل ما يرضيها لتدافع عنه امام الهجمة الدولية التى تطالب بتسليم البشير إلى المحكمة الجنائية. وقد بدأت محاولات تلبية رغبات فرنسا فى وقت مبكر عن طريق تسليم كارلوس للمخابرات الفرنسية. فعلي حسب تصريحات كارلوس نفسه أن السودانيون (الإنقاذ) باعوه للفرنسيين.

دعم الحكومات الفرنسية  لتشاد ليس سرا بل يكاد يكون واجبا إستراتيجيا لفرنسا. فقد هرعت إلى الدفاع عن إدريس ديبي عندما هاجمته قوات المعارضة التشادية بدعم من البشير. ليس ذلك فحسب بل أن إدريس ديبي نفسه أقر بان الفرنسيين أجبروه على تعديل الدستور ليستمر فى الحكم بعد فشل المحاولة الإنقلابية. وأستقبلته باريس للعلاج فى مستشفياتها بعد أن أغمى عليه فى إجتماع للإتحاد الأفريقي فى مابوتو عاصمة موزمبيق. وإمعانا فى ثبيت أركان حكم إدريس ديبي كرجل فرنسا الأول فى غرب إفريقيا إختارت فرنسا العاصمة إنجمينا كمركز لقيادة أكبر قوة عسكرية دائمة لها. ورغم ان الهدف من ذلك الوجود العسكري هو فى الأساس لمحاربة الحركات الإسلامية المتطرفة فى شمال مالي وحركة بوكو حرام فى النيجر ونيجيريا إلا أن أختيار ديبي/إنجمينا له مدلولاته القوية فى التأثير على أمن وسلام منطقة الساحل وعلى دارفور على وجه الخصوص. أطلق على التواجد الفرنسي العسكري فى إنجمينا إسم (برخانى) ويعتبر إضافة جديدة قوية للوجود الفرنسي  والذي يتخذ من مطار إنجمينا قاعدة له منذ نهاية الثمانينات. وللقوات الفرنسية تواجد بالقرب من الحدود الدارفورية فى قاعدة عسكرية شرق مدينة أبيشي وأخري بالقرب من الحدود الليبية مهمتها مراقبة التحركات العسكرية فى ليبيا ودارفور. فرنسا، وبحكم هذا التواجد، على علم تام بالتحركات العسكرية عبر الحدود التشادية السودانية. الأسبوع الماضي زار ماكرون أحد قواعده العسكرية فى نيامى وشدد على أهمية الأمن والأستقرار فى دول الساحل بإعتباره أمنا لفرنسا وأنهم لن يسمحوا بتواجد لأي مجموعات عسكرية إرهابية. لقد ساهمت فرنسا وبذكاء فى كسرة شوكة الحركات الدارفورية بإعتبارها مهددا للسلام الفرنسي والأوربي قبل ان تكون مهددا لدول الساحل نفسها.

العلاقات الدافورية التشادية علاقات متينة ومعقدة تجعل من دارفور إقليما ذو تاثير كبير على السياسية الفرنسية فى تشاد، كيف ذلك؟ دعونا نأخذ مثال واضح ممثلا فى وقفات من المسيرة الحياتية لإدريس دبي إتنو وعلاقته بدارفور مقروءة مع علاقته بفرنسا. حسب بعد المصادر يقول يارونقار لومايبا احد قادة المعارضة التشادية و جين ماري دارمين احد قادة ادريس ديبي نفسه أن ادريس دبي ولد فى قرية كورنوي فى دارفور قرية والده لكنه تربي فى تشاد عند اقارب والدته. وتلقي ديبي تدريبا عسكريا كطيار للطائرات المروحية فى فرنسا. منذ إستلامه للسلطة وديبي تسنده فرنسا ماديا وسياسيا وعسكريا وإقليميا ودوليا. لقد كان الدعم الدارفوري غير محدودا لإدريس دبي طيلة مسيرته السياسية. لقد إتخذ إدريس ديبي من دارفور قاعدة له لإدارة العمل المعارض ومنها زحف لإستلام السلطة فى إنجمينا بإنقلاب عسكري. وبوصوله للسلطة لإنجمينا أصبح السودانيون الزغاوة اصحاب كلمة وسطوة فى تشاد. زوجته الإنقاذ إبنة موسي هلال من أجل توطيد وتركيز السلطة فى يد المليشيات الداعمة لنظام الإنقاذ فى الخرطوم.

فى ابريل ٢٠١٦ وصل عدد الآجئين فى شرق تشاد إلى حوالي ثلاثمائة ألف لاجئ من دارفور نصفهم من النساء يمثلون ثمانون بالمائة من تعداد الآجئين فى تشاد على حسب إحصائيات المفوضية السامية التابعة لشؤون الهجرة فى إنجمينا. عدد الأطفال الذين ولدوا فى تشاد يتعدى المائة وخمسون ألف طفل منذ العام ٢٠١٤ خمسون الف منهم تحصلوا على شهادات ميلاد تشادية. كانت للمفوضية السامية للآجئين والحكومة التشادية إستراتيجية إسمها (خارج المعسكرات) هدفها توطين لاجئ دافور فى قري شرق تشاد لدمج الآجئين مع سكان تلك القري التشادية. وبالفعل يعيش الآن فى تشاد أكثر من مائة ألف من السودانيون غالبيتهم ترجع أصولهم إلى دارفور. وعلى حسب مشاهداتى للواقع فى قري شرق تشاد نجحت هذه السياسية فى دمج الآلاف من اللآجئين من دارفور فى دار سيلا ومنهم من هاجر غربا وإستقر فى إنجمينا مكتسبا الهوية التشادية والفرانكفونية.

لا توجد إحصائيات دقيقة ومتكاملة عن النزوح الداخلي  فى دارفور أو الهجرة الخارجية منه خلال السنوات الماضية. لكن المرجح مما هو متاح من مؤشرات أن هذه الحرب اللعينة أدت إلي نزوح وهجرة مالا يقل عن ثلاثة ملايين من سكان دارفور منذ العام ٢٠٠٣. لكل واحد منهم قصة من المعاناة والعذاب فى طريق الهجرة والنزوح ومنهم من لم يتمكن من رواية قصة هجرته فقد مات عطشا فى الصحراء الكبري أو غرقا فى البحر الأبيض او رميا بالرصاص على أيدى مليشيات الإنقاذ. لقد فككت الحرب أوصال النسيج الدافوري. مرت الهجرة الدرافورية بعد نشوب الحرب بثلاث مراحل. المرحلة الأولي النزوح الداخلى وقيام المعسكرات داخل دارفور والتى وصفت فى ذلك الوقت بأكبر مأساة إنسانية. المرحلة الثانية هى اللجؤ إلي الدول المجاورة تشاد، ليبيا ومصر. تشاد كانت من أهم المحطات للخروج إلى دول أروبية وخليجية بعد الحصول على الجواز التشادي بطرق مختلفة. واصلت هذه الهجرات طريقها إلى النيجر ومالي بحثا عن ظروف معيشية أفضل. أما ليبيا فقد إحتوت الآلاف من أهالي دارفور الذين أصبحوا جزء من مجتمع المغتربين من أقاليم السودان الأخري. أما مصر فيسكنها ما يفوق المليونين من السودانيين منذ زمن بعيد ولأسباب مختلفة، فهجرة السودانيون من دارفور إلى مصر ليست  حدثا غريبا. المرحلة الثالثة هى ما نتج عن أحداث خلال وبعد ماسمي بالربيع العربي فى مصر وليبيا بالإضافة للحرب السورية. هذه الفترة شهدت هجرة واسعة للسودانيين على قوارب الموت من الشواطئ الليبية والمصرية عبر المتوسط إلي إيطاليا ومنها إلي فرنسا.

الهجرة إلى فرنسا بالذات لم تكن خيار طالبي اللجؤ السودانيون بل واقع فرضته ظروف معينة. فى عام ٢٠١٦ كان تعداد السودانين طالبي اللجؤ فى فرنسا هو الأعلى مقارنة بتعداد طالبي اللجؤ من الدول الأخري، حتى الفرانكوفونية منها، فقد وصل قرابة الستة آلآف لاجئى الغالبية العظمى منهم من إقليم دارفور. لم ترحب فرنسا بالآجئين السودانيين ولم يكن السودانيون يرغبون فى البقاء فى فرنسا. تكدسوا على الحدود الفرانكوفونية والأنجلوفونية فى مدينة كاليه الفرنسيه لدخول بريطانيا من خلال محاولات أودت بحياة الكثيرين. أحدهم أدهش العالم و قطع النفق بين فرنسا وبريطانيا مشيا على الإقدام. تعقيدات إجراءات اللجؤ الفرنسية وغياب شبكة رعاية إجتماعية من المهاجرين السودانيين مقارنة بالشعوب الفرانكفونية الآخري كالكونغو، السينغال، تشاد، مالي والمغرب قذفت باللآجيين السودانيين إلي الشوارع الباريسية.ومع إزدياد العمليات الإرهابية فى فرنسا وبعضا من دول غرب أروبا سعت فرنسا للتخلص من طالبي اللجؤ السودانيين بشتى الوسائل منها ترحليهم قسريا إلى الخرطوم. كذلك سعت وعبر مايسمى بإتفاقية الخرطوم إلي قطع طريق الهجرة الصحراوي إلى ليبيا ومصر بدعم مباشر لمليشيات الدعم السريع والتى وجدت فى الدعم الفرنسي المالي واللوجيستى الضوء الأخضر للقضاء على الحركات الدارفورية.

التدخلات الفرنسية فى القضية الدارفورية تعالج من منظور المحافظة على المصالح الفرنسية فى تشاد. ولفرنسا دور مباشر فى إضعاف الحركات العسكرية الدرافورية حفاظا على إستقرار شرق تشاد. بل هناك إتهامات لفرنسا بالمشاركة فى إغتيال خليل إبراهيم فى إطار تعاون إستخباراتى سري مع مليشيات البشير. ومن خلال صفقة إستخبارية سمحت فرنسا لقادة الحركات الدارفورية جبريل إبراهيم ومينى مناوى وعبد الواحد محمد نور بالتواجد والإقامة على أراضيها لكنها لم تسمح لهم بإدارة عمليات عسكرية فى دارفور من باريس. أما موضوع حصولهم على اللجؤ السياسي فليس الموضوع بهذه البساطة او السهولة كما يتصورها البعض. الموضوع تدخل فيه برنارد كوشنر، وزير الخارجية الفرنسية آنذاك ولا يخضع حتى لقوانين الإقامة والهجرة الفرنسية.  تواجد قادة الحركات المسلحة فى باريس وبُعدِهم عن ساحة ميدان العمل العسكري فى دارفور ساهم فى إضعاف هذه الحركات ومن موقفها التفاوضى أو حماية المواطنيين المغلوب على أمرهم. إستغلت مليشيات الإنقاذ وإستخباراتها هذا الضعف وهذا التباعد وعملت على شراء بعض قادة الحركات العسكرية فى الميدان مما ساهم فى تفتيت وإنقسامات الحركات الدرافورية بحيث أصبح لايعرف أسماؤها ولا اهدافها. أما قادة الحركات فى باريس فقد تحولوا كليا للعمل السلمى  بين المدن الأوربية خاصة فى أوساط المهاجرين واللآجئين من أبناء وبنات درافور. آخرها إجتماع جبريل إبراهيم ومناوي مع على الحاج فى شقة صغيرة فى مدينة بون الألمانية. وقبلها لقاءات مطولة فى أضابير مكاتب الخارجية فى فرنسا وبريطانيا وألمانيا. من بينها لقاء جمع إدريس ديبي مع قادة الحركات الدافورية فى إحدي المدن الأوربية لإقناعها باللحاق بركب حوار الوثبة. التعامل الفرنسي مع قادة الحركات الدارفورية مقارنة بالتعامل البريطانى والأمريكى مع الحركة الشعبية يوضح الخطوط الفاصلة بين فرانكفونية درافور والمصالح الأنجلوفونية.

الفرنسيون وفى سبيل الحفاظ على مصالحهم فى تشاد وغرب إفريقيا يسعون  إلى السيطرة على الحركات الدارفورية  وتحيدها أو إندماجها فى المنظومة الفرانكفونية على الخارطة الجغرافية التشادية. التواجد السودانى فى فرنسا سيكون له تأثيره وبصماته المستقبلية على العلاقات الدافورية التشادية. 

سيف اليزل سعد عمر

إستكهولم - السويد
٢٨ ديسمبر ٢٠١٧

السبت، 30 سبتمبر 2017

السودان: غياب منظمات المجتمع المدنى فى مجال العمل الحقوقى


أتى تقرير الخبير المستقل لحقوق الإنسان مخيبا للكثيرين من المدافعين عن حق التنظيم وحرية الراي والعدالة والحرية والديمقراطية فى السودان.
و السبب معروف فى إعتقادى راجع  لضعف منظمات المجتمع المدنى التى تحسب على القوي المعارضة العسكرية والمدنية منها..وهذا كذلك أسبابه معروفة وهو عدم وجود رغبة حقيقة فى التعاون والتنسيق مع وبين منظمات المجتمع المدنى.
مسألة حقوق  الانسان تحتاج لمتابعة و لعمل متواصل وتوثيق بصورة منظمة systematic documentation.
من حضر إجتماعات مجلس حقوق الإنسان عدد قليل من المنظمات التى مقرها فى كمبالا وبعض السودانيين المقيمين فى سويسرا..
مسالة حقوق الانسان هذه يتعامل معها السودانيون بالعضل ساي..اقدر جهودهم فيما يقومون به من بيانات ولقاءات فى مواقع التواصل الاجتماعى وبعض الصفحات على الشبكة العنكبوتية. لكن التعامل مع مجلس حقوق الانسان يجب لا يكون عملا عشوائيا او ذات طموحات شخصية. معظم الوقفات هى مظاهرات شكلية التصوير فيها والمظهر اهم من الهدف ومن جوهر الوقفة الاحتجاجية نفسها. لذلك تجد عملية الاعداد قليلا  ما يسبقها التخطيط و التنسيق. المسؤول عن الوقفة الاحتجاجية دائما ما يكون فرد أو مجموعة من الافراد وليست منظمات مجمتع مدنى يسبقها عمل تنسيقي منظم. هذا ما عدا ما يقوم به بعض السودانيين فى أمريكا فى مسالة وجود منظمات مجتمع مدنى فى تنظيم الوقفات الإحتجاجية..
توثيق الانتهاكات باللغة الانجليزية للإنتهاكات قليل جد وتواجهه العديد من العقبات. نعم اللغة العربية هى لغة رسمية لمنظمات الامم المتحدة لكن تقارير اللغة الانجليزية تجد اهتماما وقتى اكثر من تقارير اللغة العربية. النظام استفاد من غياب منظمات المجتمع وسوق لمنظماته ومولها لحضور الاجتماع فى حين ان المعارضة لم تهتم بهذا النقطة وهذه ليست من أولوياتها.
نحتاج لتحديد قضايا حقوقية محددة تركز عليها منظمات المجتمع المدنى بشكل تخصصى. على سبيل المثال أن تركز منظمة ما على حقوق حرية التعبير والنشر والدفاع عن حقوق الصحافيين والاعلامين. هنا أحي ما تقوم به منظمة (جهر) لكن معظم تقراريرها باللغة العربية ولا تتعدى النشر فى مواقع التواصل الاجتماعي. هناك غياب من جانب النقابات أو من جانب منظمات تعمل على الدفاع عن الحقوق النقابية. السودان مصنف من اسوأ الدول فى مجال الحقوق النقابية فى التقرير الاخير الذي اصدره الإتحاد العالمى للنقابات  Human Rights Index 2017. ما حدث لنقابة الاطباء فى العام الماضي كان يمكن ان يكون كافيا لوضع السودان فى بند إدانة.
لاتوجد منظمات تهتم بقضايا حقوقية فى مجال الجندر وحقوق الاطفال والمسنين واللاجئين وفى مجال مناهضة العنصرية. وعشان اكون دقيق ممكن تكون فى منظمة موجودة هنا او هناك لكن هناك غياب لعمل منظم يوثق لهذه الانتهاكات يقوم بنشرها وعرضها للجهات المسؤولة.
كنت أشرت سابقا لدراسات عن كيفية تحول أحزاب سياسة الي منظمات مجتمع مدنى سودانية والعكس ان تتحول منظمات مجتمع مدنى إلى تنظيم سياسي. فى ظل سياسة نظام الانقاذ والتضيق على حرية التنظيم والنشر والتعبير لمنظمات المجتمع المدنى إنخرط العديد من الأحزاب السياسية فى تخطيط وتنفيذ عمل هو من أهم إختصاصات منظمات المجتمع المدنى. نضرب مثال هناك بمشاركة الاحزاب السياسية فى حملة التوعية بوباء الكوليرا والذي لازال يحصد أرواح المئات من فقراء السودان. أكيد لن تقف الاحزاب مكتوفة الايدى من المساهمة فى هذه الوعية فى غياب دور منظمات المجتمع المدنى فى مجال التوعية. هنا كان الأجدر بالاحزاب السياسية ان تطالب بحرية التنظيم والدفاع عنها بإعتبار منظمات المجتمع المدنى جزء مهم من التطور المجتمعى وبالذات فى مجال المطالبة والدفاع عن حقوق الانسان السودانى. للأحزاب السياسية الحق فى ان تكون لها منظمات مجتمع مدنى تعمل ك Think Tank لها. هذا النوع من المنظمات حاربته الانقاذ بكل الوسائل نذكر منها إغلاق مركز الخاتم عدلان وإعتقال عضوية منظمة تراكس..ومركز عبد المجيد امام وغيرها..
على مستوي التنسيق والتعاون والذي يعتبر من اهم متطلبات العمل بكفاءة هناك غياب لاى نوع من التنسيق بين منظمات المجتمع السودانية فى الداخل والخارج. نأخد مثال هنا مايسمى بكونفدرالية منظمات المجتمع المدنى والتى هى أحد أضلاع تحالف نداء السودان والذي انهار بسبب الخلافات التى تعصف به الان.

على حسب ما كتب الخبير المستقل فى تقريره انه "إلتقي بعاملين وطلاب من جامعة إفريقيا العالمية فى الخرطوم وتلقي منهم معلومات قيمة عن حالة حقوق الانسان" لكنه لم يذكر اسماء منظمات المجتمع المدنى التى إلتقاها. كذلك قدم التقرير معلومة مغلوطة وضحت جهل الخبير نفسه بمن قابلهم. فى الباب الثالث النقطة ١٣ من التقرير يقدم معلومة خطأ حينما يقول: ألقت السلطات القبض على ٢١ عضوا فى احزاب المعارضة منهم رئيس حزب (المؤتمر الوطنى)، الذي إتهم بالتحريض على الإطاحة بالنظام. هذا الخطا الشنيع مذكورا فى النسخة الانجليزية والعربية.  جاء تقرير الخبير المستقل مختصرا ومغلوطا فى الكثير من نقاطه دون ان يجد اي تفنيد فى غياب منظمات المجتمع المدنى والتضيق عليها.

فى هذا الغياب جاء تقرير الخبير الدولي لصالح حكومة الانقاذ وكانه يعطيها الضوء الاخضر لممارسة التقتيل والارهاب. فهو يدعو المجمتع الدولي لتقديم المساعدة التقنية والمالية إليها. والي تزويد منظمات المجتمع المدنى، والتى تقع تحت السيطرة الكاملة للنظام، ببرامج المساعدة التقنية.
بدون منظات مجتمع مدنى متخصصة وقوية سيستمر النظام فى انتهاكاته وسيجد كل الدعم والتايد من المجتمع الدولي بحجة الحد من الهجرة. وفى غياب منظمات المجتمع ستحاول الاحزاب السياسية ملء هذا الفراغ بغرض تسويق نفسها برامجيا..

الأحد، 3 سبتمبر 2017

لوحات إريترية (5): الكنامة و أحفاد جون قرنق

لوحات إريترية: الكُنامٓة و أحفاد جون قرنق

سيف اليزل سعد عمر

ربما سيكتب التاريخ يوما ما عن قبيلة إسمها (القرنقاب) فى إرتيريا والتى إستوطنت وتعايشت مع سكان المنخفضات الغربية فى الحدود مع السودان. ومن هم القرنقاب لأنه فى الواقع لا يوجد فى إريتريا قبيلة بهذا الإسم؟ وأقول نعم لايوجد ولكن هذا إسم إفتراضي من الواقع أتيت به كمثال لتوضيح من هم الكُنامٓة الذين إستقروا وإستوطنوا جنوب المنخفضات فى الحدود مع إثيوبيا.

القرنقاب هم من القبائل النيلية وبالأخص من قبيلة الدينكا والنوير و ينسبون إلى جدهم السودانى القائد الراحل (جون قرنق) والذي حارب السودان الشمالي منذ عام ١٩٨٣ حتى نجح فى الإستقلال التام من الإستعمار الشمالى فى ٢٠١١ وإعلان دولة جديدة إسمها جنوب السودان. وقد حارب دولة الإستعمار الشمالي فى معارك كثيرة فى جنوب السودان وفى مناطق التداخل القبلي بين الجنوب والشمال فى الكرمك وقيسان وفى القردود والليري. فكر جون قرنق فى نقل الحرب من الجنوب إلي الشمال لهزيمة حاكم متسلط إسمه عمر حسن البشير حكم السودان بقوة المليشيات والقتل والإرهاب وكان عادة ما يقتل مواطنيه لأتفه الأسباب كما إعترف هو بذلك. تحالف جون قرنق مع الامبراطور الديكتاتور الإريتري أسياس أفورقى وهو من قومية التِقرنجية تحت مباركة الولايات المتحدة الأمريكية للهجوم على مليشيات حسن البشير من الجبهة الشرقية. كون جون قرنق جيشا كبيرا من مجموعة من مختلف القبائل النيلية من جنوب السودان وعبر به الي الحدود الإثيوبية و إتجه شمالا ليعبر الحدود الإثيوبية الإريترية ليستقر فى شمال مدينة (هيكوتة). مكث ذلك الجيش لسنوات عديد وتحالف مع بعض القبائل الشمالية السودانية تحت قيادة حفيد الإمام المهدي. إنتهى القتال بتوقيع إتفاقية بين جون قرنق والبشير سميت إتفاقية السلام الشامل على أساسها نال جنوب السودان إستقلاله وإنفصل عن الشمال. رجع من رجع من هيكوتة وتبقي من تبقي بسبب المصاهرة والزواج. هؤلاء من تبقوا هم  الذين كونوا ما يعرف بقبيلة (القرنقاب) ذات الأصول النيلية التى هاجرت من منابع النيل فى جنوب السودان لتستقر هنا فى إرتيريا.

علي حسب صورة الواقع الإفتراضي المذكور أعلاه يمكننا أن نقول أن قبيلة الكُنامٓة هى إحدي القبائل النيلية والتى يرجع  أصولها إما إلي جنوب السودان أو جنوب الغربي لإثيوبيا. يقول الباحث الإسكندر ناتى المتخصص فى الإثنيات فى جامعة أسمرا أن قوميات إرتيريا تطلق على الكُنامٓة اسماء مختلفة. فأبناء عمومتهم من قبيلة (النارا) والذين يتحدثون لغة النارا يطلقون عليهم إسم (ديلا). والحباب والتقري يطلقون عليهم إسم (البازا). احد القساوسة الطليان والذي أعد قاموس للغة الإيطالية يقول أن معنى الكُنامٓة فى لغة الأرومو يعنى (شعبي). أما الكُنامٓة انفسهم فيصفون نفسهم بأنهم (كنامة) ويتحدثون  لغة إسمها الكُنامٓة تختلف قليلا عن لغة النارا. يصنف علماء اللغويات لغة الكُنامٓة تحت مجموعة اللغة النيلية-الصحراوية. هناك أربعة قبائل رئيسية للكنامة هي الكاروا، الشوا، السيما والقوما.  ما كتب عن الكُنامٓة  باللغة العربية شحيح جدا. لكن أكثر من كتب عنهم هم المبشرين السويدين الذي إستهدفوا الكُنامٓة بحملة تنصير واسعة. بحث سريع فى سيرفر المكتبات العامة فى السويد يوضح هذه الحقيقة. معظم الكتب والوثائق موجودة فى خزينة المكتبة الملكية والتى تقدم خدماتها إلي كل أوروبا. فما كان على إلا الذهاب إلى هذه المكتبة بحثا عما كتبوا عن الكُنامٓة.

فى يوم الخميس ٨ يونيو ١٨٦٥ قررت الكنيسة السويدية إرسال بعثة تبشيرية إلي شرق إفريقيا. فى ٢٩ مارس ١٨٦٦ قرر القس لارش يوهان لانقي وشقيقه كارلسون  مغادرة مصوع والسفر الي بلاد الكُنامٓة.  ازداد عدد المبشرين السويدين فى بلاد الكنامة ليصل لأكثر من عشرة مبشرين توفى منهم ثمانية بسبب المرض وإرتفاع الحرارة ولازالت قبور ستة منهم موجودة فى بلاد الكُنامٓة فى مدين (تندار). إثنان منهم (شيلباري و إيلفبلاد) تم قتلهم فى مدينة تيكا فى ١٨٦٩ . أربعة  من المبشرين السويدين وصلوا الي ميناء سواكن فى ٧ أبريل ١٨٦٩ وواصلوا جنوبا فى محاولة للوصول الي بلاد الكُنامٓة عن طريق كسلا. فى كسلا وصلتهم اخبار ان اصدقائهم المبشرين قد تركوا بلاد الكُنامٓة بسبب المرض. فقرروا الرجوع من نفس الطريق. نجحت محاولات السويديين التبشيرية فى ان يصبح حوالي ثلث الكُنامٓة يدينون بالمسيحية من عددهم الذي يقدر بحوالي مائة ألف. كما نجح المبشرين السويدين فى مساعدة الكُنامٓة فى كتابة لغتهم بالأحرف اللاتينية فى نهاية القرن التاسع عشر.

حسب الرواية المذكورة من أحد المبشرين السويديين أن الكُنامٓة كانوا تحت تهديد مجموعة مسلمة أسمها (القيداييين*). وتحدث هذا المبشر فى أحد مكاتباته إلي الكنيسة السويدية عن معركة دارت يوم ٢٣ يناير ١٨٧٠ عندما هاجم (القدايين) مدينة كولوكو مقر البعثة التبشيرية فى جنوب إريتريا واستولوا على أبقار وبهائهم الكُنامٓة بالاضافة الي مابين ٤٠ الي ٥٠ من الرقيق. كذلك إسترقاهم الأحباش. وعلى حسب الأكسندر ناتى باحث الإثنيات، أن روايات الكُنامٓة تتحدث عن غارات الأحباش عليهم وإسترقاقهم. فقد هاجمهم راس ألولا الحبشي مما جعلهم يهربون الي (الكهوف والكراكير) هربا من السبي والإسترقاق. كما ذكرت الوثائق السويدية ان الكُنامٓة يشربون بيرة الذرة (المريسة) وأحيانا عرقي العيش (العرقى) ويأكلون رقائق الذرة (الكِسرة). وآخر ذكر انهم يتعاطون التمباك. أما بيوت الكُنامٓة فعادة ما تكون قطاطي القش مستديرة الشكل قرطاسية السقف.

كانت ارض الكُنامٓة تحت تهديد الأتراك والأحباش والمهدية. ولقد تعرض الكُنامٓة للكثير من الظلم من كل المستعمرين ومن القبائل التى تسكن من حولهم. تحكي إحدي الرويات عن كيف ان الكُنامٓة كانوا بمثابة (الحيطة القصيرة ) او شماعة يعلق عليهم كل الأخطاء والمصائب ثم يعاقبوا عليها رغم أنهم لم يرتكبوها. فإذا أكلت الضباع احد بهائم المراح لإحدي القبائل الأخري يتهم بقتلها الكُنامٓة ويورغموا على التعويض. ويروي أحد المبشرين السويدين أن حتى الطليان مارسوا ذلك ضد الكُنامٓة فاحتج لديهم المبشرين السويديين بان يتركوا الكُنامٓة وشأنهم. حكى أحد المبشرين السويدين عن تهديد السودانيين للكنامة وقال: كان هناك شيخا فى نواحي مدينة كسلا، لم يسمه، يجمع الجبايات من القري المجاورة. والذين يمتنعون عن الدفع يهدهم بانه سوف يُسلط عليهم المرض الذي يقتل نسائهم وأطفالهم وسيمنع عنهم المطر حتى يصيبهم القحط. تخوف الكُنامٓة منه وكانوا يدفعون له ما يطالبهم به من أموال. خلاصة كلام ذلك المبشر أن الكُنامٓة شعب مضياف إستغل طيبتهم وكرمهم رعاة التقرى والأحباش و دراويش السودان. وتستمر محاولات إفراغ الكُنامٓة من أراضيهم والسيطرة عليها. فكلنا على علم بالنزاع الحدودي الإثيوبي الإريتري فى بادمي ومناطق حدودية أخري. أكثر من تأثر بتلك الحرب هم الكُنامٓة الذين تركوا أراضيهم الخصبة ويعيشون الان فى أراضي صخرية حجرية فى معسكرات اللجوء خاصة فى إثيوبيا. حاليا يعيش أكثر من ستة الف من الكُنامٓة فى معسكرات شيملبا وهيتساس. اما أراضي الكُنامٓة فقد إستولت عليها السلطات الإريترية غصبا وإستوطنت فيها الموالين لها خاصة من قوميات التقرينجية. الصراع الإريتري الإثيوبي وضع الكُنامٓة فى وضع لا يحسدون عليه. فهم متهمون بمساندة الإستعمار الإثيوبي لأرتيريا ويعيشون حياة لاجئين فى إثيوبيا. يحترف الكُنامٓة مهنة الزراعة فى مناطق القاش-بركة ويزرعون الذرة والدخن وبعض البقوليات. وصفهم المبشر السويدي كارلسون فى إحدي رسائله قائلا: أعيش وحيدا بين هؤلاء السود ذوي الأجسام الضخمة، لكن رغما عن ذلك لم أشعر بالخوف وكانى أعيش وسط أهلي. لقد كانوا كريمين ولطيفين معى وسعيدون ويفتخرون بوجودي بينهم.

تتمع المرأة الكُنامٓية الغير متزوجة بنوع من الحرية فى إختيار شريك حياتها. فعندما تبلغ المراة مرحلة البلوغ يعد لها والديها قطية خاصة بها تستقبل فيها الشباب لتختار شريك حياتها من بينهم. الرجل الذي إختارته يضع حربة عند مدخل القطية إشارة الى أن هذه الشابة قد إختارته. ومن يخالف إحترام هذه العلاقة يقتل. بعضا من الرجال لديهم ثلاث شلوخ راسية على خدودهم والشلوخ كما نعرف عادة سودانية تمارسها القبائل السودانية فى شمال السودان وجنوبه فى وادي النيل.

يقول الكُنامٓة عن أنفسهم فى روايتهم إنهم أحفاد أحد مماليك أكسوم لكنى لم اجد ما يسند هذه الرواية . الثابت ان الكُنامٓة مجموعة أصيلة من القبائل النيلية والتى انتشرت فى كل بقاع إفريقيا من جذورها فى منابع ومجري وادي النيل. تحدثت فى مقالين سابقين عن نوبة كينيا الذين إستوطنوا فى (كِبيرة) فى نايروبي عندما عملوا جنودا فى جيش الاستعمار اليريطانى. فى عام ٢٠٠٠ قرر أحد أصدقائي السويدين ونحن فى دار السلام أن يتزوج إمرأة تنزانية مسلمة. وعندما عرفت بأنى ونسيبي من السودان طلبت منا حضور الزواج وان نكون شاهدين على العقد. هاتفتنى قبل شهور من مدينة بشمال السويد حيث تسكن هى وزوجها وفجأتنى بمعلومات مفادها أن أصلها من دارفور وقد هاجر جدودها لتنزانيا بغرض التجارة كما حكى لها والدها. سألتها لماذا لم تخبرنا بهذه المعلومة وهى فى تنزانيا. أجابت بان ذلك قد يعرض أسرتها للمضايقة وانها فقط تريد ان تخبرنى انها إلتقت بسودانين من دارفور فى المدينة وتوطدت علاقاتها معهم وتريد ان تعرفنى بهم. هذا مثال للملايين من الهجرات داخل افريقيا. الكُنامٓة امتداد لشريط من القبائل النيلية من جنوب إثيوبيا على طول الحدود مع السودان مرورا بأرض بنى شنقول والأجنك والقمز إلي بلاد الكُنامٓة. ومن دارفور مرورا بجبال النوبة الي النيل الأزرق ثم عبر الحدود إلي بلاد الكُنامٓة.

هذا هو المقال الخامس والأخير من ضمن خمس مقالات بعنوان لوحات إريترية فى محاولة للتعريف ببعض القوميات و القبائل الإريترية. وهى محاولة للبحث عن الروابط والعلاقات التى تربط شعوب المنطقة خاصة بين السودان وإريتريا.

هوامش


Eko från Kunama. August Andersson. missionsskrifter no 32, 1908
Political and cultural History of The Kunama People. Dr. Alexander Naty. part III

Bland Faror och nöd i Kunama. Ivan Hellström . 1989.

القدايين تكتب هكذا فى اللغة السويدية algedanerna وهكذا فى اللغة الإنجليزية Alghaden. ذكرهم المستبشرين السويدين والطليان ولم أجد لهم تعريفا فى هذه المراجع سوي وصفهم بانهم محمدانيين ويقصدون ذلك انهم مسلمين.