6th of April 1985 in Sudan

6th of April 1985 in Sudan

سودانيات

سودانيات هو منبري لمناقشة ومعالجة قضايا السودان مع السودانيين ومن هو قادر على فهم اللغة العربية. وما أطرحه من رأى على هذا المنبر هو رأى أنا شخصيا لايمكن أن يحاسب عليه أحد آخر. أما مبادئ المنبر فإنها تقوم على حرية الرأى،إحترام الرأى الآخر، الموضوعية، تحرى الدقة وتقصى الحقائق.

الأحد، 19 فبراير 2017

أجمل الإثيوسودانيات و الإريتروسودانيات مع حبة صوملة


    إنه غرام لا محدود للإغنية السودانية في القرن الإفريقي. وهو غرام متجذر منذ بدايات العصر الذهبي للإغنية السودانية الحديثة. وحقيقة لم يأتى هذا الغرام من فراغ بل هي علاقات تاريخية متأصلة منذ أن كانت المنطقة مهدا لحضارات قديمة تعتبر إرثا للبشرية جمعا. فنغمات الربابة في بلاد النوبة هي نفس نغمات الكرار في بلاد أكسوم. ونوبة الصوفية السودانية لا تختلف عن الكبيرو المسيحية الأرثوذكسية. وإن كان أهلنا البجة يجيدون الرقص والسيف بين أسنانهم فالصوماليون ليس ذلك عليهم بجديد. وعرضة قبيلة الساهو الإريترية لا تختلف كثير عن عرضة قبائل شمال ووسط السودان. وإيقاعات ورقيص قبيلة الكونامة الإريترية لا تختلف كثيرا عن إيقاعات ورقيص أهلنا في جبال النوبة. وأصوات ساكسفون الأمهرا أساسها وأصلها إيقاعات الوازا او زمبارة بنى شنقول الذين لا تحد من تواصلهم الحدود الجغرافية السودانية الإثيوبية. وحتي في دائرية حلقات رقصهم تشابه بينهم وبين دائرية حلقات رقص التقراي. أعزائي القراء ما أريد ان أقوله هو أن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا.

    لذلك لا أستغرب إن تغني أو ردد الإريتريون او السودانيون او الصوماليون او الإثيوبيون بأغانى بعضهم البعض بلغاتهم ولهجاتهم ولكناتهم المختلفة. وقد بدا مشوار التواصل الغنائي هذا عمالقة من فنانى القرن الإفريقي خلال رحلات ثقافية متبادلة عطرت سماوات المسارح والاندية في مقديشو وأسمرا وأديس والخرطوم. فقد كان ألامايو إيشيتا و طيلاهون قيسيسى والفرق الغنائية الإثيوبية يسجلون حضورا سنويا في إحتفالات راس السنة في الخرطوم. نتشي ونطرب للأداء الساحر من تيلاهون لرائعتنا "عازة في هوالك" لخليل فرح. أخذ ألامايو من الكابلي حسنك فاح مشاعر وأضاف عليها نكهة الاداء الإثيوبي لتصبح واحدة من المغتنيات الكلاسيكية للتلفزيون الإثيوبي كأول أغنية سودانوإثوبية مصورة. ولمبادلة الريدة بالريدة قدم أستاذنا الكابلي، متعه الله بالصحة والعافية، مجموعة غنائية كاملة بالتعاون مع فرقة إثيوبية (زينة وعاجباني، ونوم عينيا، غزال الروض وغيرها).

    لو لم يكن الفنان الكوشي الراحل محمد وردي سودانيا لكان إيثيوإريتراويا. فهو الأكثر شهرة وقبولا وسط شعوب القرن الإفريقي. وهو عنوان السودان في هذه المنطقة. علي المستوي الشخصي لم أشاهد حضورا وتفاعلا جماهيريا مع الراحل وردي وأغانيه كما شاهدت في الحفل الذي أقامه في ملعب بولي بوسط أديس ابابا في عام ١٩٩٤. أغانى وردي تدخل مباشرة في قلوب شعوب القرن الإفريقي في أية زمان وفي أي مكان. فأغانى مثل "قطر الندي" و "نور العين" و "القمر بوبا" و "بلدي يا حبوب" و "ما تخجلي" هي الكلاسيكيات الوردية في الصومال وإريتريا وإثيوبيا. رددها المئات من عملاقة الفن في القرن الأفريقي ولازال يطرب لها الملايين. لقد كان له نصيب الأسد في نقل وإنتشار الإغنية السودانية شرقا. ما من مدينة زرتها في الصومال وإلا عبروا لي عن مدي حبهم بأغانى محمد وردي. بعضا منهم حكوا لي عن الصومالية التى "نقطت" لوردي بغوائيش زهبية إشتراهم لها زوجها عادت للمنزل بدونهم فما كان منه إلا أن طلقها، إلا إن سعادتها بالحفل كانت اكبر من الزعل من طلاقها.

    أما الجميل والوجيه الراحل خوجلي عثمان فيعتبره الإثيوبيون واحد منهم ضَل طريقه إلي السودان. عندما أستمعُ لخوجلي عثمان أغمض عينى وأكاد أجزم إنني أستمع لفنان إثيوبي. كيف لا وهو الذي تغنى بأغنية "ما بنختلف" فتغني بها العديد من الفنانين الإثيوإرتراويين وهم يطوفون في عوالم يجسدون فيها عدم الإختلاف مع خوجلي عثمان. "أسمعنا مرة وحاتنا عندك بس أسمعنا مرة". "ووين نلقي دنيا تجمعنا بيكا". تغنت بها الفنانة الإريترية يوديت أبراهام أداء وفيديو كليب اكثر من رائع. "وأنحنا أصلنا ناس محبة زول نعزو وزول نريدو". قال عنه الفنان الإريتري زيماج: كان عثمان خوجلي زميلي و أغنية "حبة حبة" هي كل مرة في قلبي وايضاً في قلوب الشعب السودانى والشعب الإريتري. وبعدك الايام حزينة يا خوجلي عثمان رحمة الله تغشاك.

    أما أيقونة القرن الإفريقي فهو الراحل سيد خليفة. فقد إستطاع في وقت مبكر أن يدخل قلوب شعوب الإفريقي "بإزيكم كيفنكم أنا لي زمان ما شفتكم". خطفها منه طيلاهون قسيسي والبس الأغنية ثيابا حبشية وقدمها للشعب الإثيوبي لتستقر في وجدانه لعقود وسنوات عديدة. "جاري وأنا جارو" زادت هذه العشق اللآمتناهي لأغنيات سيد خليفة. الشاب الوجيه و الأنيق عبدالعزيز المبارك دخل قلوب الإثيوبيين بالتغني بالأمهراوية بتقديم الأغنية الشهيرة "نانونا" للفنان الإثيوبي الوجية موليكين موليسي. تلك كانت مساهمة كبيرة من عبد العزيز المبارك في نقل الإغنية الاثيوبية إلي السودان. في بداية التسعينيات كان عبد العزيز حاضرا في المسارح الأوربية ومشاركا أصيلا في الحفلات الإثيوبية والإريترية. رغم ان هناك القليلون من فنانى القرن الذين تغنوا لعبد العزيز إلا أن أغانيه مسموعة بصورة واسعة. لن ينتهي الحديث عن العمالقة الخمسة دون الحديث عن دور الفنان الراحل أحمد المصطفي. فرائعته "القربو يحنن والبعدو يجنن" إختارتها الخطوط الإثيوبية بجانب أغنية "الحنين يا فؤادي" لمحمد وردي ضمن باقة أغنياتها التى تبثها في قنوات طائراتها. وهو أحد الفنانين الذين كرمهم الأمبراطور هيلاسلاسي.

    تعودَ أحد أصدقائي الإثيوبيين أن يبدئ إعجابه بالبلابل كلما تقابلنا سائلا: وين ياخ البلابل. ياسلام كانوا حلوين مرة واحد. 
    أغنية "مشينا" ترجمتها وتغنت بها فرقة إثيوبية نسائية ثلاثية بعد أن صدحن بها البلابل في مسارح أديس و أسمرا ومقديشو. شاركن البلابل وفرقة الفنون الشعبية والأكروبات في رحلات عديدة للقرن الافريقي ساهمت في نشر الإغنية السودانية.
    الأداء الإستعراضي الراقص لحنان بلوبلو وشعبيتها الكبيرة في بداية الثمانينيّات جعلها من المطربات المحببات للإثيوإريتراوين. وإستعراضاها الراقص هو في الحقيقة إستعراضا لملكاتها في إجادة رقص سكان الهضبة الأثيوبية ومرتفعات ومنخفضات إريتريا. جمهور حنان بلوبلو السودانى كان يستهويه الإستعراض الراقص لحنان بلوبلو أكثر من صوتها وأغنياتها. فقد كانت حنان بلوبلو محط إعجاب الفنانة الشابة فيوري برهانى في أغنية "حبيبي تعال نتلم" رغم أن الأغنية ليست ملكا حصريا لحنان بلوبلو. أغنية "حمادة" أو "ألمنى السافر ما كلمنى" هي الأكثر إنتشارا لحنان بلوبلو تغنت بها الفنانة الإريترية فابن. نذكر هنا أن حنان بلوبلو تغنت ببعض القنوات الإثيوبية ايضا.

    بإغنيتها الجديدة "أديس" تُعبّرُ المطربة الشعبية ندي القلعة عن عميق شكرها لجمهورها في القرن الإفريقي الكبير وفي إثيوبيا علي وجه الخصوص. ورغم أن ندي القلعة لم تاتى بجديد بهذه الإغنية إلا أنها جاءت لتأكيد العلاقة الوجدانية بين أديس أبابا والخرطوم. في هذه الفديو كليب لعبت ندي القلعة دور لولي الحبشية التى وهي في الخرطوم منتدبة وبتحب كسلا وأديس أبابا. الأغنية معروفة ومشهورة ومن أغانى البنات الحاضرة في أغانى رقيص العروس في مناطق عديدة في السودان. سجلها أخيرا الفنان الإثيوبي ألمايو أشيتا وتباع في مخزن الأغانى في الشبكة العنكبوتية مما ساعد علي إنتشارها أكثر. ندي القلعة ينظر لها العديد من المطربات الإثيوبيات بإعجاب كبير. وهو ما أفصحن عنه صراحة في العديد من المواقع الإعلامية الإريترية والإثيوبية. 

    كسلا من المدن المجاورة لدولتي إثيوبيا وبالذات لدولة إريتريا والمدينة كانت ولا زالت حاضنة دافئة لشعوب هاتين الدولتين من هجرات قديمة وملجأ آمن من الحرب الإثيوبية الإريترية. نشأ وترعرع فيها الكثيرون الذين إختلطت إريتريتهم بالسودناوية. من كسلا ومن بورسودان والقضارف تسربت وتجذرت الكثير من الأغانى السودانية إلي إرتيريا وإثيوبيا عبر القنوات الإذاعية ومن المسارح والحفلات الخاصة. في هذه المدن نشأ وترعرع الكثيرون من الفنانين الإريتريين والإثيوبيين وساهموا في إنتشار الإغنية السودانية وتقديمها بلونية جديدة في تلك الدول. وهم فنانون كثيرون يصعب حصرهم لكن نذكر منهم الفنان الإريتري الكبير عثمان عبد الرحيم والفنانة الإريترية فاطمة إبراهيم والفنان الإريتري الشاب أخليلو مبراتو وصديقي الفنان الامين حسب الله. ومنهم الإثيوبية تيقست بلاجشو والتى ابدعت حتى في أدائها لأغانى الحقيبة. والفنانة الإريترية هيلين باولوص والتى اعادت تقديم وإنتاج أغنية "الأصيل ود القبائل" في فديوكليب تم تصويره في مدينة مصوع.

    الصومال الشقيق مغرم بصلاح بن البادية وأغنية "سال من شعرها الذهب". لا ادري لماذا هذه الإغنية بالذات ولكن أرجح أن إبن البادية قد يكون قد تغنى بها في واحدة من رحلاته الفنية إلي مقديشو ووجدت قبولا وإنطباعا لا ينسي في لحظتها. خلال زياراتى للمدن الصومالية كثيرا ما سمعت من الأخوة الصوماليون وهم يبتسمون: صلاح بن البادية أن احبه والله ياخ سال من شهرها الذهب. زارت الفرقة الصومالية السودان أكثر من مرة وكان علي راس الفرقة أيقونة الغناء الصومالي حليمة الصومالية "مقول" والتى تغنت "بسائق العظمة" ومنها إنتشرت علي طول ساحل القرن من هرقيسا إلي كيسمايو. في لقاء تلفزيوني في بداية الثمانينيّات قدمه محمد سليمان إستضاف فيه ضيوف الفرقة الصومالية كان من بينهم المطربة فاطمة قاسم ذكرت فيه أنها زارت السودان ثلاث مرات في حفلات غنائية. فاطمة لا تختلف عن اي واحدة من بلابل السودان وكانت مغرمة بأدائهم وأغانيهم. من الفنانين الذين يمثلوا الجسر الرابط بين الغناء الصومالي والسودانى هما ملك العود المطرب أحمد ناجي والمطرب الراحل أحمد ربشة الذي تخرج من مسرح الموسيقي والمسرح في السبعينيات. أبدع وأجاد أحمد ناجي في اداء أغنية "حان الزفاف" تلقاها الصوماليون والسودانيون بقلوب مفتوحة. أما الراحل أحمد ربشة فقد ترك قطعة غنائية غاية في الروعة و الجمال إنها إغنية "بدري من عمرك"، "شاقي روحك ليه هو الزعل بجدي بحرو ما رواح وموجه ما يهدئ". خاض الإستاذ المطرب الكبير عثمان مصطفي تجربة الغناء بالصومالية وقدم أغنية "أمرا أيهاستا" تحكي قصة صومالي مع الغرام في الغربة.

    في رأئى أن الأداء المختلف من فنانو القرن الإفريقي للأغنية السودانية في اللحن وإختلاف اللهجات أو الكلمات يزيد من إنتشار وتمدد الإغنية السودانية ليس فقط في القرن الإفريقي بل في العالم أجمع. وان مزيدا من التعاون والتبادل الثقافي سيزيد من فرص إنتشار الإغنية السودانية. في السنين الأخيرة تطور إنتاج الإغانى الإثيوبية والصومالية والأريترية كثيرا في مجال الفديو كليب والعروض علي المسارح العالمية بينما نعانى في السودان كثيرا من ضعف الإنتاج في هذا المجال. أعتقد ان احد عوامل هذا التطور هو وجود إستوديوهات وشركات للإنتاج في أمريكا واروبا بالاضافة لوجود الكثيرون من فنانى القرن الإفريقي في دول أمريكا ودول غرب أروبا. في الختام اريد ان أكد انه ومن خلال متابعة لصيقة من خلال زيارات متكررة لدول القرن الإفريقي، أستطيع أن أقول لازالت الأغنية السودانية محببة للملايين في هذا الجزء من إفريقيا. ومثلما قدم كورال كلية الموسيقي والدراما أغنية "ملائكة" شعار دول شرق إفريقيا وزبدة الإغانى السواحلية، أتمنى أن أري عملا كوراليا من دول القرن الإفريقي وأرشح أغنية "نانونا" للمطرب الإثيوبي موليكين مليسي. في الختام أريد أن أقول ما يربطنا و يوحدنا أكبر مما يفرقنا...

    سيف اليزل سعد عمر
    استكهولم - السويد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق